هذه الآيات العظيمة، آيات الدعاء والتوسّل إلى المولى عز وجل، قرأها الضابط البحريني الشهيد هشام الحمادي في حفل تخرّجه، في تلاوة خاشعة أبْكت هذه الأيام العشرات، وربما المئات ممن أعاد سماع تسجيل الشهيد الشاب المغدور به وهو يرتّلها بكل تذلّل وخضوع .
آيات من سورة إبراهيم تنقل دعوته عليه السلام لربه، أن يجعل مكة بلدَ أمنٍ لأهله وساكنيه، وأن يحميه هو وأولاده من عبادة الأصنام، ويدخل في الأصنام كل ما يُعبد من دون الله، من حجر، أو شجر، أو بشر. ثم تضرَّع إلى الله أن يجعل قلوب الناس تحنّ وتسرع إلى هذا المكان ليشكروا الله على جزيل نعمه.
ثم تواصل الآيات لتعرض طلب إبراهيم من ربه أن يجعله مع ذريته محافظاً على الصلاة مقيمين لها، وأن يتقبل دعاءه، وأن يغفر له ولوالديه ولجميع المؤمنين.
وقد قال ابن كثير رحمه الله عن هذا الدعاء إنه “ينبغي لكل داعٍ أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته”، ثم تأتي الآية التي يتوعّد جبار السماوات والأرض فيها الظالمين وعدم غفلته عنهم.
يا الله؛ ما أعظم تدبير الله سبحانه وتعالى لهذا الكون، هذه الآيات الكريمة وإن كانت قد نزلت لتخصّ أزمنة غابرة إلا أنها بقيت قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، والدعاء الوارد فيها يصلح لكل زمان ومكان. ولعل من تقدير ربّ العالمين أن يستشهد هذا الشابّ على هذا النحو الغادر من قبِل فئة إرهابية ظالمة لا ترعى للدين والنفس حرمة، فينتشر له تسجيل قرآني فريد في توقيته وفريد في دلالته في الآيات التي اختارها “هشام” ليتلوها في حفل تخرّجه هو مع ثلّة من إخوانه من حماة وطنهم البحرين وجنوده؛ آيات يرددها المسلمون كلّما نشدوا الأمن، ممن عرفوا قيمة الأمان وحاجة الإنسانية إليه، آيات يلجأون إليها لتجنيبهم عبادة الأصنام على اختلاف أشكالها وتنوعها بحيث لا يجعلوها ندّاً لله أو نائباً عنه سبحانه وتعالى.
آيات شكر وامتنان على النعم والثمرات في السرّاء والضراء، آيات تتضرع إلى الله بأنه يعلم إعلاننا وإسرارنا وحاجتنا إليه، فهو علام الغيوب الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، آيات خصّت الوالدين والأبناء بالدعاء والحفظ، آيات تؤكد أن للظالمين يوماً لا يغفله رب السماوات والأرض مهما بلغ طغيانهم وعتوّهم.
سبحان الله، لكأنما كان هشام على موعد مع القدر؛ أن يقضي شهيداً فتشاء حكمة الله ولطفه أن تنتشر هذه الآيات بالذات، بمعانيها الجليلة والمؤثرة، وبصوته الشجي، رحمه الله وتقبله في علّيين مع الشهداء وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.