ورد في الأمثال المشهورة التي تناقلها العرب – ولايزالون – منذ القِدَم ” تَجوعُ الحرّة ولاتأكل بثدييها” ومعنى “لاتأكل بثدييها” لا تأكل من أجرة ثدييها. ولا تعيش بسبب ثدييها وبما يغلاّن عليها . كما ورد في مقاماتِ الحريري : فقدْ تجوعُ الحُرّةُ ولاتأكُلُ بثَدْيَيها، وتأبى الدنيّةَ ولو اضطُرّت إلَيْها . وفي جمهَرَة الأمثال لأبي هلال العسكري : يُضرب هذا المثل : ” تَجوعُ الحرّة ولاتأكل بثدييها ” للرجل يصون نفسه في الضراء، ولا يدخل فيما يدنّسه عند سوء الحال . ومعناه أن الحرّة تجوع ولا تكون ظئراً – أي مرضعاً – لقوم على جعْل تأخذ منهم ، فيلحقها عيب . ومثله ما يردده العرب أيضاً في أمثالهم “النار ولا العار” و”المنية ولا الدنية “باعتبار أن الأفعال التي تمسّ الأعراض والشرف كانت خطوطاً حمراء عند العرب ، تمنعها كرامتهم وترفضها شهامتهم وتلفظها نخوتهم وغيرتهم ، وتأباها رجولتهم . وجاء الإسلام ليؤكد على تحريم هذا النوع من التكسّب ووصفه بأنه (ساء سبيلا) وجعل أية أموال متحصّلة عن هذا الطريق إنما هي أموال محرّمة ومنزوعة البركة . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يامعشر المسلمين، إياكم والزنا، فإن فيه ست خصال: ثلاثاً في الدنيا، وثلاثاً في الآخرة. فأما اللواتي في الدنيا: فذهاب البهاء، ودوام الفقر، وقصر العمر. وأما اللواتي في الآخرة: فسخط الله تبارك وتعالى، وسوء الحساب والخلود في النار” . ” ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أن سَخِط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون”
وعلى العموم فإن هذا المثل – ” تَجوعُ الحرّة ولا تأكل بثدييها ” – وما يدور في ذات معناه يُضرب في صيانة الرجل نفسه عن خسيس مكاسب الأموال حيث كان العرب لايرضون إلاّبالأعمال الشريفة والتكسّب من خلالها ، وفي نطاقها ، ويفضلون الموت على أن يدخل في جيوبهم فلساً واحداً اكتسبوه بالحرام ، خاصة إذا كان هذا الحرام على نحو الثراء من خلال الأعراض والتجارة بالرذيلة وجمع الأموال من سوق النخاسة . وذلك حتى لو كانت بمسميات أخرى تُلطّف من قبْحها أو تهوّن من فُحْشها أو تبّرر قبولها ، وتسويقها بأنها مجرّد سياحة وحرّيات شخصية يجب عدم نكرانها أو التدخل فيها ، بل وتركها تنمو وتحقق عوائد نحن في أمسّ الحاجة لها – حسبما يُقال – في سعينا لتنويع مصادر الدخل وزيادتها وماشابه ذلك من مبررات من المفترض أنه لامكان لها أمام قوْل الرزاق الرحيم ” ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ” .
ومن نكَد الزمان ، وبدعاوى الانفتاح والتخلّي عن ما يسمّونه بـ ( التزّمت ) جرى تغيير مسميات بعض من كبائر الذنوب والمعاصي التي حرّمها المولى عز وجل وجرّمها ديننا الإسلامي الذي ندين به ووصفها بأقذع الألفاظ ؛ فأصبحت ( الخمور) مجرّد مشروبات روحية أو كحولية . و(اللواط) سمّوه شذوذا جنسيا . و(الزنا ) صار ظاهرة غير أخلاقية . وهي مسميات مستحدثة ومبتدعة الغرض منها تسويقها وتمريرها ونسيان مسمياتها الحقيقية والشرعية الممقوتة .
بعضنا لايأبه بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ، وربما يتجاسر عن تصديقها ، ولاتدخل ضمن خططه وبرامجه ، ولاينتبه للتحريم والوعيد الوارد فيها . قد نغفل أولايكون ذلك في وارد الاهتمام والتفكّر والتأثّر . لكنه شئنا أم أبينا ؛ فإن سنن الله في كونه المذكورة في كتابه العظيم أو نقلها من قال عنه ” لاينطق عن الهوى ” صلى الله عليه وسلّم ، هي ماضية في حياة الأفراد والأمم إلى قيام الساعة ، ومنها : أن الأمن والبركة والتوفيق في الأعمال والأموال والأوطان نعمة من الله ربط جبّار السموات والأرض وجودها بطاعته والامتثال لأوامره مثلما ربط زوالها بالمعاصي والذنوب ، وأن اهتزاز كل أو بعض هذه النِعم أو العيش في الضنك قد يكون فيها اختباراً أو تنبيهاً من الخالق عز وجل بضرورة العودة إلى الله وترْك ما يغضب ربنا خاصة مما زاد وفاض وغاض في بلادنا وآذى الغيارى والمخلصين ، وشوّه سمعة البحرين من صور انحلال وفساد وانتشار ممارسة الرذيلة والدعارة وتعاطي الخمور من خلال هذه السياحة الغريبة على مجتمعنا وعاداتنا ، المخالفة لتعاليم شرعنا الحنيف . ولابد أن نذكّر القائمين والمسؤولين عن هذا الخراب ومعهم المتباكين على المساس به ، بما قاله العرب منذ قديم الأزمان ” تَجوعُ الحرّة ولا تأكل بثدييها “