منشور في جريدة الشبيبة العمانية http://bit.ly/2v9mXcy
هوس الـ (الميديا) وضجيج وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها ، وتنامي الاهتمام أو الالتفاف حولها ، وكذلك تعاظم شأنها وتأثيراتها في ظل أوضاع وأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية متزايدة في صعوباتها وتعقيداتها وأيضاً كثرتها ؛ أدّت في مجملها إلى نشوء حالات كانت فيما مضى من الزمان طارئة على مجال الإعلام أو بعيدة عن مواقع التعبير وإبداء الرأي ومنصّات التوجيه ، باعتبار أن تلك المهام – الإعلام والتوجيه والتعبير عن الآراء – فضاءات واسعة وشريفة ونظيفة ، يرتادها أو يلجها المخلصون المعروفون في دنيا الناس بعلوّهم وصلابة فكرهم ومواقفهم ، وشجاعتهم وصمودهم على قناعاتهم أو الحق الذي يعتقدون به . حيث كان لهم قراء ومتابعين كُثُر – بمقاييس ذاك الزمان – يرون في هؤلاء المفكرين والكتاب والمبدعين ملفى للصدق والإخلاص ومحلاً لنقاء المواقف وصفاء التوجهات . وذلك على بساطة حياتهم ومعيشتهم وصبرهم على صعوباتها أو حتى الإيذاء بسبب آرائهم وتعبيرهم .
تلك المهام (التوعوية والتبصيرية والتثقيفية ) فيما مضى من الزمان ؛ لاتقل في مكانتها ومقدار احترام الناس لها عن العلماء والمعلمين وما شابهها من وظائف كان يجري تبجيلها وتقديرها والنظر إلى أصحابها كقادة رأي وتوجيه ، وحاملي رايات فكر وعلم ، وحماة حرية التعبير ، مبرأة أيديهم عن السرقات ، ونظيفة ذممهم من الرشاوى والعطيّات ، وبعيدين عن إغراءات ووسائل شراء علمهم وفكرهم وأقلامهم وكتاباتهم ، ويبقون ثابتين على مبادئهم ومواقفهم رافضين الحظوة والمناصب والعطايا على تنوّعها حتى لو تدنّى فقرهم وتعاظم عوزهم وحاجتهم .
لكن الآن تغيّرت تلك الصورة ، ولم يبق منها إلاّ ذكرياتها ، وشيء من تناتيشها ، والقليلون من أصحاب ذاك العبْق الأثير الذين باتوا الآن يتحسّرون على مآل الكلمة الصادقة ومصير الأفكار والمواقف المخلصة . حيث انقلبت تلك الصورة إلى ما يشبه سوق فيه بيع وشراء ، وفرص تكسّب وغنى ، ومحطات استرزاق ونيل هدايا ، ضاع فيها الضمير واختفى الإخلاص والثبات ، وحلّ النفاق والكذب والتملّق ، وعلا صوت التطبيل وتعاظم دوْر التجهيل . وصار الكثير من أصحاب هذه المهام ( مهام العلماء والمفكرين والكتاب والمثقفين و …. إلخ ) من سقْط القوْم بعدما كانت تلك الأدوار والمهام قامات وهامات عالية يُشار إليها بالبنان ! وأصبحت أعداداً ليست قليلة حالهم في قيادة وصناعة الرأي العام وتوجيهه كحالة ( كذّابين الزفّة ) !
( كذّابين الزفّة ) هم تسمية راجت أو اقترنت بفرقة مصرية قديمة ، فرقة ( حسب الله ) الموسيقية التي كانت تتميز بشيئين : أولهما : أن غالب المنضوين فيها شتات ومرفوضين ، لم يجدوا لهم فرقاً موسيقية تقبلهم وتشغلهم ، بسبب رداءة عزفهم أو عدم إلمامهم بمتطلباته فتجمعوا لعمل فرقة كل معزوفاتها نشاز ، ولكنها تضيع بسبب الصوت العالي للآلات النحاسية الموسيقية والطبل الذي كانوا يحرصون على استخدامه ، ويملأون به المكان ضجيجاً وصخباً . حتى صارت موسيقاهم معروفة بـ ” مزيكة حسب الله” وأصبحت من الأمثال والنكات الرائجة عن الضجيج الفارغ ، إذ يعزفون ( أي حاجة ) . وثاني ميزات هذه الفرقة أنها أيضاً كانت تمارس الاحتيال ، وتدلّس لأجل المال أمام الجمهورعن طريق زيادة عدد أعضاء الفرقة . حيث كان العازفون الأصليون خمسة لكنها تضيف إليهم ضعف عددهم ، تلبسهم ذات لباس العازفين الفعليين ، وتجعلهم يمسكوا بالآلات النحاسية نفسها ، ويتظاهرون بالعزف والانشغال بـ (النوتات) ويحرصون على أن يكونوا في أعلى درجات الجدّ والحماس والإخلاص ، وقد يتمايلون بأجسامهم وهم يمشون على إيقاعها حتى تكتمل فصول التمثيلية ، بينما هم في واقع الأمر (كذابين الزفة) أو مجرّد (لابسين مزيكة) لاعلاقة لهم بالمهنة ، وليس لهم من هدف أو وظيفة سوى مجرّد ( أكل عِيش ) لأن الفرقة بهؤلاء الزيادة (كذابين الزفة) ستأخذ حسابها على أساس (10) أفراد وليس الخمسة الحقيقيين ! فما أشبه الليلة بالبارحة ، تختلف الوظائف لكن تبقى المسميات !!
بارك الله فيكم بوفيصل
Sent from my Samsung Galaxy smartphone.
إعجابإعجاب