المقالات

ميليشيا ( أنتي بالاكا )

 في العاشر من شهر أكتوبر الماضي ، هناك في القارّة السوداء ، بالضبط في جنوب شرق أفريقيا الوسطى ؛ حاصرت مليشيا مسيحية يُطلق عليها “أنتي بالاكا” مسجداً في مدينة تسمى ( دمبي ) ثم قتلت (26) مسلماً كانوا داخله ، وأعدمت معهم إمام المسجد ونائبه . وذلك في مجزرة بشعة لم يأبه لها العالم ، ومرّت بهدوء تام ، دونما صخب التنديدات أو ضجيج الاستنكارات أو أضواء الفضائيات.

حتى السلطات الرسمية المحلية أوردت خبر المجزرة كحادث عادي لم تتطرق فيه إلى الفاعل ومرتكبي هذا الحادث ( بحسب تسميتهم ) ! ومثلها البعثة الأممية التي أصدرت هي الأخرى بياناً باهتاً على موقعها المسمى “مينوسكا” لم يتضمن أي إدانة لأي جهة ، واكتفت بالقول “إن أحداث العنف يرجح أن تكون أودت بحياة العديد من المدنيين الأبرياء”.

الأخبار والمعلومات القليلة التي تتسرّب من هناك حيث جحيم الأحداث العنصرية ( القتل على الهوية ) تتحدث عن أرقام مفزعة لضحايا وقتلى في صفوف الرعاة “الفولانيون” المسلمون ، أكثرها تفاءلاً يشير إلى استشهاد (150) مسلماً حتى الآن ومثلهم من المصابين في بلدة “بومبولو”، الواقعة على بُعد (35) كلم من مدينة “دمبي”.

 تلك المجازر بدأت منذ العام 2013 بملاحقة الأقلية المسلمة وتشريدها حيث كشف تقرير للجنة  تابعة للأمم المتحدة، في ديسمبر 2014، عن ارتكاب ميليشيا “أنتي بالاكا” تطهيراً إثنياً في المناطق التي يعيش فيها المسلمون، إذ قتلت الجماعة عن عمْد مسلمين بسبب هويتهم، وخيّروا بين الموت أو مغادرة البلاد.

ونتيجة لذلك، فإنَّ 99% من المسلمين المقيمين في العاصمة غادروها، و80% حول البلاد نزحوا إلى الكاميرون أو تشاد، كما تمَّ تدمير (417) مسجداً من أصل (436).علماً بأن المسلمين يشكلون ما بين (20%) و(25 %) من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى .

و( أنتي بالاكا ) هو التسمية المشهورة لميليشيات مسيحية تشكلت في جمهورية أفريقيا الوسطى شعارها ( المنجل )اشتغلت ذبحاً وقتلاً وشنقاً وحرقاً على المسلمين هناك ، ومامن جريمة في حقهم إلاّ ارتكبتها . لاتختلف في تطرّفها وإرهابها وجرْمها عن ( داعش ) سوى في هويتها ! ( أنتي بالاكا ) ميليشيا مسيحية و( داعش ) ميليشيا إسلامية – وإن كانت قد شوّهت ولوّثت بفعلها الإسلام – .

ولو تصوّرنا – مجرّد تصوّر – أن العكس هو الذي حصل ؛ أي لو كان موقع الهجوم  كنيسة ، وأن المهاجمين كانوا مسلمين ( داعش أو غيرهم ) ، وأن القتلى كانوا مسيحيين ؛ لرأينا تحرّك الآلة الإعلامية والدبلوماسية بكل طاقتها ، يهددون ويتوعدون بالثأر والانتقام ، ويكون التطرف أو الإرهاب الإسلامي محور الغضب والمطالبة بالعقاب وتجفيف المنابع والمناهج . وستتوالى بيانات الشجب والإدانة من كل حدبٍ وصوب ، من الشرق والغرب ، تستنكر إراقة هذه الدماء وإزهاق أرواح هؤلاء المقتولين . ولسوف تستنفر وتتنافس حتى وسائل إعلامنا وصحافتنا العربية والإسلامية قواها لهذا المصاب الجلل – اعتداء على كنيسة وذبح من فيها – وستخرج علينا بعض الأصوات والأقلام ، تستغلّ الحدث لتصفية حساباتها وعداواتها ، فتتولى التحريض والمطالبة باجتثاث منابع الإرهاب وتطهير المساجد ومنابر الجمعة ومحاصرة العمل الخيري وتحفيظ القرآن الكريم ، وتدعو لتغيير المناهج ونشر ثقافة التسامح والتعايش مع الأديان الأخرى وما شابه ذلك من الدعوات والمطالبات التي لا وجود أو أثر لها عندهم بينما أرواح هؤلاء “الفولانيين” يذبّحون في أفريقيا كما النعاج لايستحقّون حتى جزء بسيط من هذه التحرّكات والبيانات ودعوات التسامح والسلام والتعايش ، لالشيء سوى أنهم مسلمين ، تم استباحة دماءهم وأرواحهم من دون أن يجدوا لهم بواكي ، فضلاً عن غضب وفزعة لإنقاذهم ووقف نزيفهم .

سانحة :

كأنما حال مسلمي أفريقيا الوسطى  ينطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ولكن حمزة لا بواكي له”، وذلك حينما مرّ عليه الصلاة والسلام بعد غزوة أحد بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظَفَر، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، ثم كلّما مرّ على أحد رآهم يبكون قتيلهم؛ فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، ثم قال: (ولكن حمزة لا بواكي له)، وكان يقصد عمّه صلى الله عليه وسلّم الذي قُتل ضمن القتلى في هذه الغزوة ومُثّل بجثته، لكن لم يبكِه أحد كما الآخرين.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s