المقالات

لله درّ حسن ..

هو الفراقُ ! فماذا تأمرين إذن ؟ أنوحُ ؟ اصمتُ ؟ أجري عنك ؟ أتّئدُ ؟ كانت هذه الكلمات آخر ماوضعها رحمه الله تحت صورته في حسابه بالانستغرام .. فكأنما أحسّ بداعي الموت ليأخذه من دنياه ، من بين أهله وأحبابه وأصدقائه الذين اكتظّت بهم مساء أمس ساحة مقبرة المحرق في مشهد مهيب لتلك الجموع الغفيرة التي تقاطرت قوافلها من شتى مناحي البحرين حتّى غصّ بهم المكان من أجل أن يحملوا نعش ابننا حسن أنور الحريري مودعين إياه وقد ملأ الحزن قلوبهم وبكت العيون على فقده وذُرفت الدموع على موته فجأة دون وداع ، ودون سابق مرض أو ألم .

رحل في ريعان شبابه ، لم يتجاوز العقد الثالث من عمره ، كان قمّة في العطاء ، سخاء غير محدود في البذل وحبّ الناس ، كما الشمعة بين أقرانه ، وكما الجوهرة عند أهله ، الابتسامة هي عنوانه ، النشاط والحيوية هي حياته التي يمارسها في جامعته كما في عمله كما في تطوّعه .

كثيرون أولئك الذين حياتهم تمرّ كما السحاب ، خطفهم الموت وأسكنهم في هذا المكان ( المقبرة ) ولكن القليلون من يترك ذكرى عطرة وآثاراً باقية يذكرها له الناس بخير ويترحمّون عليه . وأحسب أن حسن هو أحدهم ، فقد كسب محبّة وقلوب كل أولئك الذين حضروا مساء أمس ليسجلوا بكل كثافة مشهداً مهيباً ويودعوا ابناً غالياً وعزيزاً اختطفه الموت في لحظة لم يتوقعها أحد لولا أن هذه هي حياتنا التي لابد وأن تنتهي بالموت ، هو مصيرنا الذي نسير إليه ، من حان أجله رحل .

مجاميع كبيرة من الشباب ، من هم في سني حسن رحمه الله التفوا أمس على قبره بعد انتهاء الدفان ، وتحلقوا حوله ، خنقتهم العبرات ، جهشوا بالبكاء ،  سكبوا دموعهم ، رفعوا دعواتهم إلى خالق السموات والأرض يسألونه الرحمة والمغفرة في مشهد حبّ ووفاء يحتار القلم في وصفه .

سمعت أحدهم يهمس في أذن صاحبه مستغرباً ومسروراً بهذه الأعداد الكبيرة التي شهدت الصلاة والجنازة ، فردّ عليه : أنه القبول الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلّم : ” إذا أحبّ الله فلاناً كتب له القبول في الأرض ” أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فللّه درّ حسن هذا الحبّ والسمعة الحسنة . اللهم أسبغ عليه رحماتك وغفرانك , وأسكنه جناتك وألهم والديه وإخوانه وسائر محبيه الصبر والسلوان . وإنا لله وإنا إليه راجعون .

سانحة :

قبل صلاتنا الجنازة ؛ قال الإمام : اليوم بعد صلاة العصر صلينا الجنازة على طفل عمره سنة واحدة ، والآن بعد صلاة المغرب نصلّى على شاب ونصلّي كذلك معه على أمّ . الموت هو القاسم المشترك بين الجميع ، لايفرق بين صغير أو كبير ، غني أو فقير ، مريض أو سليم . 

ما أحوجنا للاعتبار .  نمضي حياتنا دون أن يطرأ علينا طارىء الموت، ولا ذكرى الراحلين، ولا مشهد هذه القبور التي تملأ الرحب ، نعيش فيها كالمخلّدين الذين لايتوقعون فراقها ومغادرتها .

رأي واحد على “لله درّ حسن ..

  1. مقال رائع ومؤثر اخي ابا فيصل كعادتكم دائما
    نسأل الله للفقيد الرحمة والمغفرة وعسى ان نتعض جميعا من هذه العبر ان الدنيا ماهي الا متاع الغرور
    اسأل الله ان يحفظكم

    Sent from my iPad

    >

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s