لو قام باحث فاستقصى عن أكثر العبارات استخداماً خلال السنوات القليلة الماضية على لسان كثير من المسؤولين والنواب والشوريين ؛ لربّما وجد عبارة “عدم المساس” قد احتلّت مراتب متقّدمة في تلك التصريحات والتعليقات والمداخلات . لكنها – للأسف الشديد – أصبحت في الواقع مجرّد دغدغة عواطف وعبارة للاستهلاك الإعلامي والاستقطاب الانتخابي احتار الناس في فهم معناها مع تزايد إجراءات وقرارات تكون على عكس ماترمي إليه عبارة ” عدم المساس “.
ففي مسألة دعم البنزين والخدمات؛كان العنوان الأبرز هو إعادة توجيه الدعم مع “عدم المساس”بمكتسبات المواطنين بحيث أن هذه الفقرة صارت لازمة أساسية في أي حديث أو تصريح في موضوع الدعم . وكانت اللجنة المشتركة الحكومية البرلمانية (الأولى) لدراسة موضوع الدعم غالباً ماتطمئن وتدبّج أخبارها وتصريحات اجتماعاتها بـ “عدم المساس بالمواطنين” واستمرّت على ذلك حتى تفاجأ الناس بتاريخ 11 يناير 2016م ، بين ليلة وضحاها برفع أسعار البنزين بما يقارب نسبة (60%) على المواطنين والمقيمين ! وشاهدنا كيف ذهبت عبارة “عدم المساس” أدراج الرياح . وبالطبع لحقت هذه الزيادة زيادة أخرى مثلها بتاريخ 8 يناير 2018م .
ماحصل لم يُنه استخدام هذه العبارة “عدم المساس” وإنما – أيضاً – كرّروا استعمالها في مسائل كثيرة كتعرفة الكهرباء والماء واللحوم والضرائب والرسوم التي كانت القرارات برفعها والزيادة فيها كفيلة بالقضاء تماماً على عبارة ” عدم المساس” والبحث لهم عن عبارات أخرى تكون لها مصداقية عند الرأي العام الذي تابع مقدار فشل هذه العبارة في الصمود .
غير أن ذلك لم يحدث ؛ ففي الأسبوع الماضي ، بالضبط بتاريخ 4 يوليو 2018 خرجت علينا اللجنة المشتركة الحكومية البرلمانية بتصريح عنوانه أيضاً ” عدم المساس بمكتسبات المتقاعدين وحقوقهم ” . ثم لم يمض أسبوع على هذا التصريح ، وبالضبط في 12 يوليو 2018م حتى ظهر تصريح آخر للجنة أنهم أعادوا تقسيم علاوة تحسين المعيشة للمتقاعدين ووضعوا حدّاً أقصى لمن يستحقها بحيث سيتم خروج واستبعاد مايقارب (2000) متقاعد من الحصول عليها !! أسبوع واحد فقط بين التصريحين . الله يستر على الزيادة السنوية (3%) ومكافأة نهاية الخدمة خاصة أنه ورد في تصريحاتهم أيضاً ” عدم المساس بهما ” .
كانت الأمنية أن يمتنع النواب والشوريون والمسؤولون بعد كل هذه المحطات الفاشلة عن استعمال وترديد عبارة أفضل من عبارة “عدم المساس” ، على الأقل من باب حفظ ماء الوجه . لكنهم مازالوا يصرّون عليها في كلّ مرة بشكل غريب كأنما لها مفهوم آخر عندهم خارج معناها اللغوي والاصطلاحي والمنطقي أو أن معناها هو في سياق ( شي احنا مانشوفه ) !!
سانحة :
في مقابلة صحفية في إحدى الجرائد المحلية بتاريخ 11 مايو 2017م ؛ قال النائب عيسى الكوهجي “أن تكلفة تقاعد النواب والشوريين حوالي (70) مليون دينار سنوياً” وقدم الكوهجي اقتراحاً – لم ير النور حتى الآن – بإلغاء هذا التقاعد. ولانعرف تكلفة تقاعد الوزراء لكنها بالطبع كبيرة قياساً بتكلفة تقاعد النواب والشوريين .
وبالتالي : من يريد إصلاح التقاعد ومعالجة العجز فيه ؛ فليبدأ بمن هم في أعلى هرمه التقاعدي ويترك عنه من هم في أسفله . وليذهب لينشغل بجذور المشكلة ويدع عنه الفروع . فهذه العلاوة والزيادة تقدّر – ربما – بعشرات الآلاف من الدنانير بينما تقاعد الوزراء والنواب والشوريين في خانة الملايين التي يجري تغطية العجز فيها بالاستنزاف من أموال المتقاعدين.
في الواقع أسباب العجوزات وتفاقم المشكلة مذكورة بتفاصيلها وأرقامها في تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية ليس موجود في متونها هذه العلاوة والزيادة . والأولى لهذه اللجان التي تتولى دراسة إصلاح التقاعد حسب التوجيه السامي لجلالة الملك المفدّى أن تترك عنها الحلقات الأضعف وتتجه فوراً لتعيد فتح تقارير ديوان الرقابة بدلاً من إهمالها وحفظها في الأدراج .
شكرا اخي جمال ..
كما هي عبارة الشعب (إن وجد)مصدر السلطات
أيضا عدم المساس بمكتسبات( المواطنين)
من هم المواطنين؟
اعتقد الإشكال في الفهم وإقحام الذات تحت مظلة معدة لغيرنا
إعجابإعجاب