المقالات

استقالة د.عزمي ولينا

كثيرة هي الأحداث أو المواقف التي نسمع عن وقوعها في بلدان أخرى فلا نملك أمامها سوى الاستغراب ثم نندب حظوظنا ونشكو حالنا ونتحسّر على عدم حصولها عندنا وكأننا جزء آخر من العالم لاعلاقة لنا بما يحدث هنالك ، ولانتأثر به أو ينوبنا شيء منه أو حتى قريب له .

شهدت المملكة الأردنية الشقيقة في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي حادثة مؤلمة ناتجة عن سيول وأمطار  أودت بحياة مجموعة من الأطفال غرق باصهم في منطقة البحر الميت بعدما جرفته تلك السيول .

الحادثة هزت المجتمع الأردني وسيطرت على وجدانه ومشاعره ، وتبين أن خطأ ما كان في مسار الباص أدى إلى تغيير وجهته ثم أدّى إلى انجرافه ووقوع هذه الفاجعة . وكانت للحادثة تداعيات كثيرة ؛ غير أن أهم تلك التداعيات هو الموقف الأخلاقي والجرأة الأدبية والشجاعة الحضارية التي ظهر بها الوزيران المسؤولان مباشرة عن الحادثة ، وهما الدكتور عزمي محافظة وزير التربية والتعليم والسيدة لينا عناب وزيرة السياحة والآثار .

حيث قدّما استقالتهما من منصبيهما مباشرة في اليوم التالي للحادثة من منطلق أن الوزيرمسؤول عن أداء وزارته ويتحمّل النتيجة عن كافة أعمالها . قدّما استقالتهما على الفور من دون أي تأخير أو مواربة أو إلقاء مسؤولية الحادث على الآخرين أو حتى على – بحسب تعبير المتملصين من المسؤولية – سوء الأحوال الجوية .

 الوزيرة المستقيلة لينا عناب كتبت في تغريدة لها في “تويتر”: “في ظل المناخ السياسي العام والحالة المؤلمة التي مرّ ويمرّ بها وطننا الحبيب، وضعت اليوم استقالتي من منصبي في الحكومة الموقرة بين يدي دولة رئيس الوزراء لاتخاذ ما يراه مناسبا”. فيما قدّم الدكتور عزمي محافظة استقالته شفهيّا وهو متواجد في مستشفى (الشونة) لمعاينة المصابين.

ويُحسب للوزيرين المستقيلين أنهما من خيرة الكفاءات ؛ فوزير التربية والتعليم د. عزمي محافظة حاصل على البكالوريوس في الطب البشري والدكتوراه في العلوم الطبية الأساسية/ تخصص الأحياء الدقيقة والمناعة من الجامعة الأمريكية ببيروت وتدرّج العمل في السلك الأكاديمي لأكثر من عقدين من الزمان حتى أصبح عميداً لكلية الطب البشري ثم رئيساً للجامعة الأردنية . أما السيدة لينا عناب فهي  خريجة جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة ولها أبجاث وأعمال أدت لأن تكون عضو  مجلس إدارة المركز الأمريكي لأبحاث الشرق .

ولعلّ هذه الكفاءة والمؤهلات هي التي قادت الوزيرين لأن يتواضعا ويتحلّيا بأخلاق الكبار ويقدّمان درساً بليغاً لأولئك الذين يتمسّكون بكراسيهم ويتشبثون بمناصبهم مهما حدث ، أولئك الذين يتصدرون الأضواء والواجهات عند أي إنجاز بينما يتوارون عن الأنظار عند الأحداث والفضائح ، أولئك الذين ينسبون النجاح لأنفسهم ويتبرأون من الفشل ويلقونه على من دونهم أو على من حولهم .

على أن مما يرفع شأن الوزيرين المستقيلين أيضاً أنهما حديثي عهد بوزارتيهما ؛ فوزير التربية والتعليم المستقيل لم يكمل سنته الأولى في منصبه ! ووزيرة السياحة المستقيلة لم تكمل سنتها الثانية ! لاشك أنه شعور وإحساس عظيم بالمسؤولية ، لم يخضعا لإغراءات المنصب الجديد ولم يقدّما مصلحتهما الشخصية ، ولم يفضلا البقاء والتمسّك بحقيبة الوزارة الجديدة حتى يوم واحد من بعد الحادثة رغم أنهما ليسا من المعمّرين أو (الديناصورات) أو الـ ( سوبرمان ) الذين بقوا على رأس وزاراتهم سنوات وربما عقود فيُقال أنهما شبعوا وأثروا أو قدّموا كل ماعندهم أو حتى على الأقل (تمللوا ) فوجدوا في تلك الحادثة فرصة للخروج فقدما استقالتيهما ! تصوروا – مجرّد تصوّر –  المستقيل الأول لم يكمل سنته الأولى والمستقيل الثاني هي في سنتها الثانية !!

إنها حقّاً جرأة وشجاعة بكلّ اقتدار عندما جعلوا من الاستقالة تصرفاً أخلاقياً وحضارياً والتزاماً أدبياً وأخلاقياً مقبولاً ومفترضاً في أحوال كثيرة للإخفاق وسوء النتائج وقلّة الإنجاز والفساد وتراكم الفشل وما شابه ذلك وأكبر منه مما نراه ونلمسه في كثير من القضايا والأحداث والمواقف التي قد تصل إلى حدّ الفضائح  فلا يكون المسؤول أمامها إلاّ بما ينطبق عليه المثل ” ياجبل مايهزّك ريح ” . فشكراً د. عزمي والسيدة لينا على درسكما البليغ جداً .

سانحة :

من يتابع شعارات أغلب المترشحين ودعايتهم الانتخابية . ومن يتابع طموحات الناس وتطلّعاتهم ؛ سوف يكتشف أن مبدأ ( التغيير ) هو المسيطر على جميع الأمنيات والشعارات . وبالتالي نأمل أن يكون التغيير بداية واقع جديد في السلطتين التشريعية والتنفيذية حيث الحاجة باتت ملحّة أكثر فأكثر لضخ الدماء الجديدة لعلّنا نتجاوز أزماتنا ونطوّر خدماتنا وقطاعاتنا ونلحق بالركب من حولنا. خاصة وإن لسان منطق الأشياء يقول : ليس من المتصوّر أن من أوصلنا إلى هذه الأزمات  سيكون قادراً على أن ( يطلّعنا منها ) . بمعنى لاتتركوا الداء ليصبح نفسه هو الدواء !!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s