لعلّه من باب المصادفة أن يتزامن اختباران لجديّة النواب مع بعضهما البعض في فترة زمنية بسيطة . الاختبار الأول يتعلق باستجواب سعادة الفاضلة وزيرة الصحة حيث سقط الاستجواب نتيجة تصويت السادة النواب على عدم جدّيته اتساقاً مع قرار اللجنة المختصة بدراسة جديّته من عدمها . وبغض النظر عن قرار إسقاطه ؛ فإن الاستجواب – أي استجواب – نأمل أن يتحوّل في مجلسنا النيابي كممارسة عادية جداً ، شأنه في ذلك شأن غيره من المجالس والديمقراطيات العريقة التي جعلت من الاستجواب حقاً حضاريّاً تمارسه السلطة التشريعية خلال رقابتها على أداء السلطة التنفيذية ودليلاً على الشفافية التي تحرص السلطتان التشريعية والتنفيذية على اللجوء إليه بدون أدنى حساسية أو تخوّف ، وذلك باعتباره من المهمات والأدوات المتاحة لترسيخ الدور الرقابي لأي برلمان فضلاً عن أنه يُكسب السلطتين قوّة وسمعة طيبة في محافل الحوكمة ومعاييرها العالمية . وليس بالضرورة أن يتم النظر إلى الاستجواب في غير صالح الوزير المستجوب حيث أن الاستجواب قد يكون فرصة لبيان حقائق وإزالة شوائب والتغلّب على شائعات أو فبركات أو التخلّص من مبالغات أو ماسواها من فرص لتبرئة ساحة الوزير أمام الرأي العام بحقائق ومعلومات ماكانت سوف تتاح لولا منصة الاستجواب . كل الأمنيات أن يتمكن السادة نوابنا الأفاضل من اجتياز اختبارات أخرى لجديّة الاستجوابات خاصة أنه لازالت في أدراج المجلس تقارير دسمة لديوان الرقابة المالية تحتوي على دلائل ومحاور موثقة بشكل علمي ومهني يصعب القول أو الطعن بعدم جديّتها .

الاختبار الثاني للجديّة كان الاقتراح برغبة الذي رفعه السادة النواب بشأن صرف عيدية بمقدار (500) دينار لكل أسرة بحرينية بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك القادم . وبالرغم من موافقة السادة النواب عليه إلاّ أن جديّته سقطت من خلال مارافق عرضه من بعض ضحك وسخرية تشيران إلى صعوبة تحقيقه بالإضافة إلى اعتراض بعضهم عليه واعتباره مجرّد دغدغة مشاعر وعواطف الناس .

والواقع أن جديّة اقتراح هذه العيدية لم تسقط ببعض الضحك والسخرية منه فقط وإنما سقطت ابتداء بعرضه أصلاً ! إذ لو كانت هناك جديّة في الرغبة بإعطاء الأسر البحرينية عيدية الـ( 500) دينار التي قد تكون تكلفتها حوالي (90) مليون دينار مثلما بين سعادة الوزير الفاضل وزير مجلسي الشورى والنواب ؛ لو كانت هناك فعلاً جديّة في المقترح لوضعوه في ميزانية الدولة التي لايزال مشروعها في جعبتهم وتحت نظرهم . بمعنى ؛ لو كانت هناك جديّة ورغبة حقيقية – ليست دغدغة مشاعر واستهلاك إعلامي – لإعطاء عيدية للأسر البحرينية لقاموا بتمريرها من خلال الميزانية التي هي بين أيديهم الآن وتعديلاتها تحت نظرهم وتصرّفهم.

مشروع ميزانية الدولة للسنتين الماليتين 2019-2020م موجود الآن في مجلس النواب منذ بضعة أشهر ! فيه كل المشروعات الحكومية ، وكل المصروفات ، وكل الإيرادات ؛ هي محل بحث ودراسة السادة النواب لها ، هذه الميزانية بكل تفاصيلها خاضعة لمناقشاتهم وتنتظر موافقتهم الكريمة عليها.

إنه لأمرمحيّر ، لاتنفك منه الغرابة أن يستمرالسادة النواب في إغراق جلساتهم على مرّ الأسابيع الماضية باقتراحات برغبة و(مناشدات) يتم رفعها وإحالتها إلى الحكومة الموقرة ، رغم أنه يستوجب لتنفيذها تكاليف مالية يجب إقرارها واعتمادها أولاً في ميزانية الدولة ، وهي الميزانية التي مشروعها عند النواب أنفسهم !! وليس من المتصوّر دستورياً وقانونياً أن تقوم الحكومة بتنفيذ هذه الاقتراحات و(المناشدات) والصرف عليها من خارج نطاق ميزانية الدولة التي تنتظر – أصلاً – موافقة واعتماد رافعي تلك الاقتراحات و( المناشدات) !!

إنه سؤال بديهي : ماقيمة وجدوى هذه المقترحات – العيدية وغيرها – المرفوعة للحكومة الموقرة مادمتم تعرفون أن مكانها في ميزانية الدولة التي هي برمّتها وبكل تفاصيلها عندكم ، في مجلسكم ، تنتظر رأيكم وتعديلاتكم وموافقتكم ؟!!

لوكانت هناك جديّة حقيقية لهذه الاقتراحات والمناشدات التي تتعلق برغبتهم في تحسين المستوى المعيشي لناخبيهم لأصبح محلّها في مشروع الميزانية الموجود عندهم والمناط بهم تمريره والموافقة عليه بدلاً أن يطلعوا على الناس في كل جلسة بمطالبات واقتراحات و( مناشدات) لايمكن تحقيقها بدون أن يكون لها سند قانوني واعتماد مالي هم أنفسهم المسؤولين عن وضعه وتسطيره في ميزانية الدولة التي لديهم زمام دراستها و (فصفصتها فلساً فلساً ).

سانحة :

هل ستصبح (المناشدات) أداة جديدة في العمل البرلماني يستفرد بها مجلسنا النيابي الموقر ؟! المشكلة الوحيدة لـ (المناشدات) أنها أداة يتساوى النائب والناخب في القيام بها ، وبصورة تثير تساؤلاً منطقياً : مافائدة النائب إذا كان سيمارس نفس دور الناخب ؟!!