المقالات

مَنْ مثْلُ حسن ؟!

مع اقتراب موعد إفطار الصائمين في اليوم الأخير من الشهر الفضيل تناقل الناس نبأ وفاة الابن الملتزم بدينه البار لوطنه حسن جناحي ، وكانوا من شدّة صدمتهم مابين مكذّب ومصدّق للخبر إلى أن تثبتوا أن قدَرالله قد مضى وأن شمعة وضاءة قد انطفأت وأن (بوبدر) بالفعل قد رحل وغادر الدنيا. فانقلب مساء ذاك اليوم – ليلة العيد – إلى مساء فقْدٍ وأسى وضجّت أحاديث الناس ووسائل تواصلهم بالحزن الشديد على فراقه وغطّى رحيله أخبار العيد الذي توافدت في صباحه جموع غفيرة من شتى أنحاء البلاد للصلاة عليه وتشييعه بالدموع والعبرات لمثواه الأخير تاركاً وراءه ميراثاً من المآثر ومنزلة في الأفئدة ومآقي العيون . لكن من هو حسن جناحي رحمه الله ؟

هو شاب في العقد الثلاثيني من العمر نشأ في طاعة الله وفي رحاب مساجده ودروس العلم وحلقات الذكر وترعرع بمعية كتاب الله وتعهده بالحفظ حتى أكرمه الله بحفظ القرآن الكريم كاملاً وأصبح حسن من أهل الله وخاصّته مثلما بشّر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إنَّ للهِ أهلين من النَّاسِ قالوا من هم يا رسولَ اللهِ قال أهلُ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه” وأصبح رفيع القدْر ومحلا للإجلال والاحترام بما يحمله في قلبه من القرآن وقد قال خير البشر صلى الله عليه وسلم:”إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ”.

درس في جامعة البحرين ؛ فكان ملء السمع والبصر بين أقرانه ، محل تقدير أساتذته ، بنى علاقات متميزة بين منتسبي الجامعة حتى احتضنوه في أعماقهم مودة ومحبّة وانتخبوه لرئاسة مجلس طلبتهم إلى أن تخرّج بالبكالوريوس في المحاسبة .

هو إمام مسجد صفية كانو الذي استحوذ على قلوب المصلّين ليس بسبب حفظه للقرآن الكريم وحسن تلاوته وتجويده فحسب وإنما أيضاً لنبل تعامله معهم وصفو وداده لهم ، أخاً رحيم لصغارهم وابنا بارّاً بكبارهم .وهو واعظ ومعلماً للقرآن الكريم في مراكز التحفيظ يستمتع بتعليم الأطفال آيات الله ، يبذل ثمين وقته وجهده دون مقابل إلاّ مايرجوه من ربّ العالمين من أجر وينشده من ثواب ورحمة لايفترمن طلبها أو يملّ من الإلحاح بالدعاء بها وكان مما يردده ويكتبه في حسابه هو ذاك الدعاء الجميل ” اللهم لاتحرمنا خيرماعندك بشرّ ماعندنا”.

أما في العمل الخيري والتطوّعي ؛ فإنه أحد جنوده العاملين دون ضوضاء، لكن يعرفه الكثير من الفقراء والأيتام والأرامل يحرص على أن يوصل المساعدات والإعانات بنفسه إلى مظانّها في داخل البحرين مثلما في خارجها في مواقع الإغاثة والمجاعات لايثنيه عن ذلك حرارة صيف أو برودة ثلوج الشتاء أو اغتراب عن أهله ووطنه.

ثم أن بوبدر، حسن جناحي رحمه الله بالإضافة إلى كل تلك الأعمال النبيلة التي يتولى القيام بها قد عشق البحر وأحبّ الغوص للكشف عن أسرار الطبيعة في أعماق البحار وتصوير مشاهد خلاّبة من بديع صنع الله سبحانه وتعالى . ورأى أثناء ممارسته هذه الهواية المفضلة أن مياه البحرين تتميز بطبيعة خلاّبة وجميلة جدا وتحمل تنوّعا بيولوجيا ربما لايعرفه الكثيرون . فحمل على عاتقه أن يقدّم خدمة جليلة لوطنه يعرّف الناس والعالم بمياه البحرين الإقليمية ومافيها من مواقع وكائنات بحرية ؛ فكان من أوائل أفلامه التصويرية ” رحلة بولثامة – معقولة كل ذي بالبحرين” يقترب عدد مشاهديه في قناة (اليوتيوب) الآن من المليون مشاهد . ثم توالت له أفلام أخرى هي من روائع مايمكن عرضه عن مياه مملكة البحرين وتميزها بالجمال الذي لايقلّ عن بقية بحار العالم . من عناوين تلك الأفلام مثلاً : ” رحلة غوص في البحرين” ، ” سياحة القروش” ، “رصد القرش الحوتي في بحر البحرين” ، “سلام في الظلام – غوص ليلي” ، ” حطام البوم “، ” الرحلة الأخيرة قبل نهاية العالم” وغيرها من أفلام تابعها عشرات الآلاف من شتى أنحاء المعمورة عرّفهم بوطنه مملكة البحرين الغالية حتى اكتسب حسن جناحي لقب ( سفير البحر) لروعة وضخامة الجهد الذي بذله في إخراج وتصوير كل تلك الأعمال والتحضير لها ، والبحث عن بياناتها ومعلوماتها ، وقد تستغربون أن بوبدر كان يقطع المسافات ويرتحل البلدان من أجل بحثه في هذا المجال حتى أنه سافر إلى استراليا للقاء (كابتن) المركب المقصوص القابع في مياه البحرين الإقليمية والاستماع إلى قصته والحادث الذي تعرّض له قبل أن يُخرج فيلمه المعروف ” المركب المقصوص – أشهر معلم بحري في تاريخ البحرين “. وقد كانت أغلب تلك الأعمال بمعدّاتها وأجهزتها والسفرات المصاحبة لها بجهده الذاتي ومن خالص ماله تعبيراًعن حبّه لوطنه. لم يطلب مالاً أو منصباً أو داراً أو ماشابه ذلك فرسم بذلك خطا واضحاً وناصعاً للوطنية المخلصة غير القائمة على التملّق والنفاق والتطبيل والاسترزاق وماشابهها من تشوّهات.

رحم الله حسن جناحي فقد قدّم نموذجاً مفعماً بالحيوية مليئاَ بالمقاصد الخيّرة التي تستوجب على أبنائنا وبناتنا الاحتذاء بها في حياتهم والتوجّه نحو الجدّية في أعمالهم واهتماماتهم واستغلالهم لشبابهم وأوقاتهم فيما يرضي خالقهم ويخدم وطنهم . فقد استطاع بوبدررحمه الله أن يجمع بين أعمال ومهام وهوايات واهتمامات كثيرة ومتنوّعة قد يستغرب البعض كيفية التوفيق بينها لولا أن أصحاب الهمم والعزائم العالية قادرون عليها.

سانحة :

أحسب أن هنالك أعداد ليست قليلة من أبنائنا وبناتنا الشباب أمثال حسن جناحي رحمه الله باتوا يقدّمون أعمالاً جليلة ومتميزة في مجالات متنوّعة وأصبح لهم أثر مجتمعي وقيمي يخدمون وطنهم بكل إخلاص وتضحية ، يعيشون بين الناس، يقدّرونهم ويعرفونهم ويحفظون لهم منزلتهم ويتابعون إنجازاتهم .. أمثال هؤلاء لايجب أن يضيعوا في ظلّ اختلال موازين الأولويات وسطوع نجوم أنواع شتى من التافهين والفاشلين و(الفاشنيستات) وماشابههم من نواتج تعطّل البوصلة .

3 آراء على “مَنْ مثْلُ حسن ؟!

  1. جزاك الله خير وصدقت القول اخي الكريم .. ولا يوجد كلمات كافية توفي حسن رحمة الله عليه .. كسب الدارين ونحسبه عند الله شهيد .. سافر حسن إلى (اسبانيا) للقاء احد البحارة ممن كانوا على المركب المقصوص وقت وقوع الحادث بعد إلحاح ورسائل ومترجم للغة الأسبانية للتواصل مع الرجل المسن دام اكثر من سنة وهو على أمل لقاءه حتى سافر اليه لتوثيق ذلك الحدث .. وصدقت القول جميع أعماله على نفقته وخالص وحر ماله ويكفيه بعد انتاج اي فلم ان يحصل على القليل من تكلفة إنتاجه من الرعاة والتي لاتغطي احياناً التكلفة اقل من نصف ما أنفقه ليعينه على الاستمرار وابراز قصة أخرى من البحر وآخرها وفاته بحادث الحطام الأخير الذي تمنى تصويره وإبرازه رحمة الله عليه. إلى جنات الخلد حبيبي الغالي

    إعجاب

  2. جزاك الله خير على المقال ما قصرت ورحم الله والديك وفيت وكفيت ، الله يحفظك ويبعد عنك كل مكروه .

    الله يعين اهله على فراقه ، كل خصلة خير في عائلة جناحي كان مجتمع فيه ، ما فقدنا شخص واحد فقط صحيح هو واحد لكن اثره الطيب كان عن الآلاف .

    انا لله وانا اليه راجعون لله ما اعطى ولله ما اخذ وكل شيء عنده بمقدار

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s