تداول الناس بكثير من الإعجاب والتقدير مقطع (فيديو) على مواقع التواصل الاجتماعي للاعب أسباني تنازل عن الفوز لزميله البريطاني في سباق مارثون سانتاندير ترياتلون2020 الذي أقيم في مدينة برشلونة.
تقول القصة أن اللاعب البريطاني “جيمس تيجلي” ظلّ متقدّما طوال مسافة السباق على منافسه الأسباني “دييجو منتريدا” لكن لحظة فارقة غيّرت مسار اللعب في مرحلته الأخيرة بعدما أخطأ اللاعب ” تيجلي” وتعثّر في مساره على بعد أمتار قليلة من خط النهاية مما سمح للأسباني ” دييجو” بتجاوزه .
لكن المفاجأة أن اللاعب الأسباني أظهر روحاً رياضية عالية ونزاهة مذهلة ولفتة إنسانية رائعة حينما وقف قبل خط النهاية بخطوات بسيطة من أجل السماح للاعب البريطاني “جيمس تيجلي” بالمرور اعترافاً وإدراكاً منه بأحقيته في الفوزوالتقدّم عليه.
هذا المقطع الذي استغرق أقل من دقيقتين وشاهده مئات الآلاف قد اختصر الفرق بين النزاهة والانتهازية ؛ حيث كان بالإمكان للاعب الأسباني ” دييجو” أن ينتهز ثغرة تعثر البريطاني “تيجلي” فيغنم الفوز بكل سهولة غير أن نزاهته قادته إلى الإقرار بأن زميله كان أكثر منه كفاءة واقتدار ، وكان متقدّما عليه طوال وقت السباق وغالب مسافته ؛ فما كان منه إلاّ أن تنازل له فنال إعجاباً واحتراماً يليق بنزاهته وسموّ أخلاقه.
غير أنه في واقع الناس ومعاشهم فإن قصة ” دييجو” و”تيجلي” نادرة الحدوث وتُعتبر مثالية ضمن كثرة من المثاليات التي كانت في الأساس هي الأصل في العلاقات والمعاملات فصارت استثناء . حيث أصبحت – مثلاً- النزاهة حالة استثنائية رغم أنها هي الأصل أو هكذا يُفترض لولا أن الغش والخداع والتضليل والتكسّب على حساب الآخرين وماشابهها من صور الانتهازية باتت هي الغالبة والسائدة . وتبعاً لذلك أصبحت فرص الاستحقاق والفوز والترقي لاتخضع للمعايير الطبيعية النزيهة والمفترضة من مؤهلات وتخصصات وكفاءة وإخلاص وخبرة وتفوّق ونبوغ بقدْر خضوعها لصنوف شتى من الانتهازية تتنوّع مابين المحسوبيّات وبين النفاق والكذب والتطبيل ومابين المكر والتحريض والكيْد و… إلى آخره من معاول تهدم ولاتبني وأدوات تظلم ولاتعدل.
قصة اللاعبين ” دييجو” و”تيجلي” تشرح الفرق بين من يعلو بنفسه وإمكانياته ومؤهلاته وقدراته وبين من يعلو على أكتاف الآخرين ، بين من يخطو إلى الأمام بكسبه وجدّه واجتهاده وبين من يترفّع بالدوس على الآخرين ، بين من يشقى ويتعب ويطوي سني حياته في التأهيل والتحصيل العلمي ونيل الدرجات والشهادات العلمية وبين من يتقدّم بسبب عائلته أو قريبه أو والده أو حتى والدته .
وعندما تلاشت قيم النزاهة ؛ برز الانتهازيون في كثير من المواقع والجهات التي طبعوها بهذه السمة القبيحة ، وأصبح لكل شيء فيها ثمن يناسب قبح هذه الانتهازية . فاختفى البياض ، وتراجع الإنجاز – ماعدا لوازم (الشو) والبهرجة – . بل صار هؤلاء الانتهازيون الذين مسكوا مسؤولياتهم ومناصبهم عن غير طرق النزاهة والاستحقاق الطبيعي أداة إقصاء وتطفيش وتهميش وتجميد لأصحاب كفاءات وتخصصات ومنهم ربما لديهم شهادات عليا (حقيقية) من جامعات مرموقة (غير وهمية) تحصّلوا عليها بعقولهم وجهدهم وعرقهم وليس بالاستئجار . فتسلّط هؤلاء الانتهازيون وفرّغوا في تلك الكفاءات أمراضهم وعقدهم النفسية وشعورهم بالنقص فحرموا البلد من عطاء وحيوية ، ومن علم وإبداع . وماكان ذلك ليحدث لو كان في واقعنا نفس سويّة ونزاهة اللاعب ” دييجو” تجاه اللاعب “تيجلي”.
سانحة :
لايكتمل البناء ولايتحقق الازدهار إلاّ بأن يتسلّم المسؤوليات والمناصب الأسوياء من الناس ، ممن لديهم كفاءات وتخصصات ومؤهلات علمية وكفايات أخلاقية في ذات الوقت ، يحترمون الآخرين ويقدّرونهم ، يعدلون ولايظلمون ، يتحلّون بالنزاهة ويكرهون التمصلح والانتهازية.
رائع في وصفك و تجسيدك لمظاهر باتت تؤرق كل المجدين المتميزين باداءهم و تفانيهم الذين تهضم و تتلاشي تلك الجهود تحت أقدام المتسلقين المتملقين ليطفو هم ع السطح و يجنو حصاد غيرهم دون تعب .. و العلامة كلها لهم و لاعزاء للمجدين الكادحين..
رائع في وصفك و تجسيدك لمظاهر باتت تؤرق كل المجدين المتميزين باداءهم و تفانيهم الذين تهضم و تتلاشي تلك الجهود تحت أقدام المتسلقين المتملقين ليطفو هم ع السطح و يجنو حصاد غيرهم دون تعب .. و العلامة كلها لهم و لاعزاء للمجدين الكادحين..
إعجابإعجاب