المقالات

هل يغيّرنا كورونا ؟

رغم الأضرار شبه الكارثية التي أحدثتها جائحة كورونا والتي من المتوقع أن تمتدّ تداعياتها لسنوات أخرى ؛ إلاّ أنّه على الجانب الآخر أن هذه الجائحة قد أظهرت أيضاً منافع وأفرزت إيجابيات وفرصاً ربما كنا نتمناها في السابق ، ونبذل لأجلها الجهود وننفق لتحقيقها الأموال ونحشد لها قدرات وإمكانيات فإذا بها تتحقق بواسطة فيروس – مجرّد فيروس – لاتراه العيون . ولعلّ في ذلك مصداقاً لقول جبّار السموات والأرض في محكم التنزيل  “وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” سورة البقرة(216). فمن هذه الإضاءات التي هي تشبه ( المنح من داخل المحن) مايلي :

  • الاعتماد على الخدمات الإلكترونية : فبسبب الإجراءات والاحترازات الحكومية المشكورة لمكافحة هذه الجائحة تم التوجه إلى تقديم الخدمات وإنجاز مختلف المعاملات إلكترونياً من خلال منصّات وتطبيقات غالبها كانت متوفرة وموجودة في السابق لكن لأسباب ما – ربما- تتعلق بالكفاءة والإدارة والوعي اعتاد المواطنون والمقيمون على تخليص معاملاتهم وخدماتهم من خلال الأوراق والمناضد وماشابهها من صور الازدحام والانتظار و(المرمطة) في قاعات ومراكز المراجعين إلى أن جاءت هذه الجائحة فإذا جلّ هذه الخدمات يُصار إلى إمكانية إنجازها من داخل البيوت من خلال الضغط على بضعة أزرار في الـ (الكيبورد) حتى أن السيد الفاضل زكريا الخاجة نائب الرئيس التنفيذي بهيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية قد كشف في تصريح صحفي منشور في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 15 سبتمبر الماضي عن ” نمو ملحوظ  في استخدام تطبيقات الحكومة الإلكترونية خلال الفترة من أبريل إلى أغسطس بنسبة تجاوزت عشرين ضعف ماكانت عليه في الفترة المماثلة من العام الماضي وبلغ عدد المعاملات الحكومية الإلكترونية في هذه الفترة مايقارب (800) ألف معاملة الكترونية ). أعتقد أنه بعد انتهاء هذه الجائحة وزوالها بفضل الله تعالى يحتاج هذا الأمر إلى بعض التطوير والتدريب وكذلك التحفيز للاستمرار والانطلاق بأداء مختلف ورائع للخدمات الحكومية إلى أفق واسعة ورحبة جداً من السهولة والبساطة والسرعة والدقة .

  • التعليم عن بعد : فرضت جائحة كورونا هذا النوع من التعليم كأسلوب إنقاذ منع توقف التعليم وانقطاع التحصيل الدراسي في مختلف المراحل التعليمية . وبالرغم من بعض القصور والضعف في الجاهزية والاستعداد لهذا النوع من التعليم إلاّ أنه في نهاية المطاف قد حقق غرضه في استمرارية التعليم وأتوقع أن أغلب مشكلات الجاهزية والاستعدادية سيجرى التغلّب عليها أو في الطريق إلى ذلك . وبالتالي فَتَحَ التعليم عن بعد – الذي لم يكن معتمداً ومعترفاً به عندنا في السابق – مجالات عديدة لاستخدام تقنيات التعليم وتطوراتها العالمية وأتاح فرصاً ينبغي استغلالها لحلّ كثرة من مشكلات تتعلق بالمساحات والمباني وأيّام ووقت الدوام المدرسي الطويل والحشو الزائد في المناهج والكثافة الصفيّة وماشابهها من قضايا كانت محلّ الشكوى والمطالبة بالتغيير فإذا بالتعليم عن بعد – أثناء الكورونا – شرّع لها أبواباً لاحصر لها من الأفكار والإبداعات والفرص بحيث اعتبرته بعض دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الشقيقة بأنه – التعليم عن بعد- خياراً استراتيجياً مستقبلياً وليس مجرّد خيار بديل للحالات الاستثنائية .

  • التطبيب والاستشارة عن بعد : على غرار التعليم عن بعد ؛ شكّل التطبيب عن بعد قفزة نوعية في مجال الخدمات الطبية واختصر على كثير من المرضى عناء مراجعة الأطباء والحضور الشخصي في المستشفيات والمراكز الصحية . وهي بلاشك خدمة لم نكن نتوقعها أبداً في ظل ماكنّا نعانيه من حالة الاكتظاظ والضغط الكبير على مختلف المرافق الصحية لولا جائحة الكورونا . بل تم إضافة خدمة توصيل الأدوية إلى المنازل . وبالتالي علينا أن نتصوّر عيادات الأطباء والصيدليات في تلك المواقع قبل الكورونا وبعدها لنتعرّف على حجم الفسحة والسهولة التي تحققت والمؤمل أن تبقى وتتطوّر.

  • ومادمنا قد ذكرنا الطب ؛ فإن جائحة كورونا قد أظهرت مقدار الجهود المخلصة التي بذلها الطاقم الطبي والتمريضي والصحي بجميع مستوياته طوال هذه الأشهر وأظهرت تضحيات (يُرفع لها العقال) تقديراً وامتناناً لهذه الجهود . وأظهرت هذه الجائحة مكانة وحجم الدور الوطني الذي يترقبه الناس من الأطباء ومن يساعدهم من ملائكة الرحمة على تنوّع فئاتهم وتخصصاتهم في مثل هذه الكوارث الجمعيّة . وكذلك كشفت الجائحة مقدار احتياجنا للتوسع في المجال الصحي والتخصص الطبي الدقيق لمواكبة مثل هذه المتغيرات والجوائح حيث استنفرت مختلف دول العالم طاقاتها البحثية والعلمية لأجل الوصول إلى أجهزة وأدوية ولقاحات تمنع زحف (كوفيدا 19) وتوقف حصده للأرواح ، وبرز على مستوى العالم مايقارب (180) لقاحاً ليس لغالب الدول العربية – للأسف – أي دور في اكتشافها واختراعها والتوصل إليها واكتفينا بأن نكون محلّا لتجاربها السريرية بينما التفكير المستقبلي يستدعي أن يكون لدينا علماء وباحثين ومتخصصين في اللقاحات والجينات وعلوم الأدوية وماشابهها من تخصصات يجب أن يكون لنا نصيب فاعل ومخترع ومؤثر فيها كبقية دول العالم ونغادر خانة المتلقي الذي ينتظر أجهزته ودواءه ولقاحه من الآخرين.

  • وجائحة كورونا في عمومها أظهرت أهمية الكفاءة والتخصص والدماء الشابة وضرورة إعلاء شأن هذه المعايير الحيوية في شغل المناصب والمسؤوليات في مختلف المواقع حيث كان النجاح والإنجاز خلال فترة الكورونا ملازما لتلك المعايير على عكس مواقع الفشل التي بدا فيها واضحاً عدم الكفاءة وغياب التخصص والافتقار إلى روح الحماس وتحدّي الشباب وطموحهم.

  • الاجتماعات والمؤتمرات عن بعد : لم يكتف (كوفيدا 19) بهذه النقلات النوعيّة في الخدمات والتعليم والصحّة وإنما حقّق وفراً مالياً لم يكن في الحسبان ولم يستطع تحقيقه في السابق كبار المستشارين وبيوت الخبرة التي تم إنفاق عشرات وربما مئات الآلاف من الدنانيرعليها لمعالجة العجوزات والأزمات الاقتصادية وجاءت أغلب توصياتهم ومبادراتهم على حساب جيوب المواطنين ومدّخراتهم حتى فتح (كوفيدا 19) باباً كبيراً للتقشّف وتقليص المصروفات لم يُطرق من قبل رغم وجوده. وأترك للقاريء الكريم تقدير حجم الوفر المالي الذي حققته هذه الاجتماعات والمؤتمرات الالكترونية التي فرضها (كوفيدا 19) للسلطتين التشريعية والتنفيذية سواء في الداخل أو الخارج. وأتوقع أنه لو تقرّر تحويل هذا الوفر من مخصصات سفر وتذاكر وإقامة ونثريات و… إلخ إلى تغطية مشروعات بنيوية وأساسية أو مصروفات ضرورية يحتاجها الناس مثل إعادة الزيادة السنوية للمتقاعدين لربما كفتهم وزيادة . وينبغي بعد انتهاء هذه الجائحة أن يبقى عقد هذه الاجتماعات والمؤتمرات إلكترونيا ( عن بعد ) في الداخل والخارج مادامت تؤدي ذات الغرض والهدف. وتحقق وفراً مالياً ليس في الحسبان وقد يكون غير مسبوق .

  • السلوك الاجتماعي : تقول أكثر الدراسات والتحليلات أن العالم بعد الكورونا لن يعود مثلما كان قبله . وذلك ليس محصوراً في الإجراءات والخدمات التي تقدمها الحكومات فحسب وإنما التأثير سيطال الممارسات والعلاقات والسلوكيات الاجتماعية على مختلف تنوّعها . فقد وجّه (كوفيدا 19) دروساً بليغة في أهمية النظافة العامة والشخصية وأسّس لإجراءات نظامية جميلة في اللقاءات والتجمعات والطوابير وماشابهها ليس من المتوقع التخلّي عنها . بل حتى مناسباتنا الاجتماعية من أفراح أو تعازي أو غيرها طالتها إجراءات مكافحة هذه الجائحة فإذا بها تنبّه إلى ممارسات في هذه المناسبات – خاصة في الزواج – كانت ليست من أساسياته وهي مكلفة ومرهقة مادياً إلى الحد الذي صارت تؤخر الزواج وتصعّبه . أتوقع أن الكورونا حقق نجاحات في هذا المجال عجز عنها الكثير من الغيورين الذين كانوا يحذرون من أخطار زيادة تكاليف الزواج وعواقبه.

سانحة :

لعل جائحة الكورونا (كوفيدا 19) فرصة عظمى للتفكّر في ملكوت الله وقدرته سبحانه وتعالى والعودة إلى طاعته ورحاب ديننا العظيم . فرصة للمنحرفين والضائعين والمشككين والملحدين والمترددين . فرصة للظالمين والمنافقين والمقصرين في حق العباد وربّ العباد . فرصة للشباب الذين تاهت بهم السبل واشتغلت عليهم آلات التغريب والتخريب فأبعدتهم عن صفاء دينهم ونقاء عبادتهم للمولى عز وجل. فرصة للعجائز و( الشيّاب) ممن تقدّم بهم الســنّ وتقوّست عظام أجسامهم واحدودبت ظهورهم وابيضت شعور رؤوسـهم ، وصار لهم أولاد وأحفاد ، ودبّت الأمراض في أجسادهم وسرت صنوف وأنواع شتى من العقاقير والأدوية في عروقهم وشرايينهم ، وربما قاربت أرجلهم أقبية قبـــورهم ، ودنا رحيلهم إلى بارئهم عزّ وجل دون أن يفكروا في الانتقال إلى دروب الاستقامة وتحسين خاتمتهم ، فما بقي من العمر أكثر مما مضى .فرصة لكلّ أولئك لأن يتأملوا مافعله فيروس كورونا على مستوى العالم – هو مجرّد فيروس لاتراه العيون – وأن يتفكروا في قوله سبحانه وتعالى “يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ، وإن يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ، ضعف الطالب والمطلوب”. صدق الله العظيم

رأي واحد على “هل يغيّرنا كورونا ؟

  1. بارك الله فيكم بوفيصل حبذا لو تنشر في الصحف خاصة فيما يتعلق بالاجتماعات والصرف غير المبرر

    Sent from my Samsung Galaxy smartphone.

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s