المقالات

مريم فؤاد

أو هي البطلة البحرينية مريم فؤاد التي شقّت طريقها في الحياة بكلّ إصرار وعزيمة . تغلبت على إعاقتها بكلّ قوّة إرادة خلال مسيرة امتدّت منذ ولادتها حتى أصبحت الآن موظفة وزوجة وأم لأطفال تمارس حياتها كما الأسوياء من الناس لاتفرق عنهم إلاّ في قصّة نجاح كبرى ما أحوجنا كأبناء وكأولياء أمور للتعرف على هذه  النماذج المثابرة والافتخار بها  بدلاً من  الانشغال بنجوم آخرين ربما نكتشف في يوم من الأيام مقدار إلهائنا بهم وتزييف أو تسفيه الوعي العام بنجوميتهم التي استحوذت على سلم الأولويات والاهتمامات مما نراه ونلمسه من فاشلين وساقطين وطبالين ومنافقين و(فاشنيستات) وقائمة تطول ولاتنقص من أنواع التافهين الذين لوّثوا الأجواء وسرقوا الأضواء حتى تلاشت عن الأنظار القصص الحقيقية للنجاح التي لاأشكّ أنها كثيرة جدّاً في مجتمعنا لكنها توارت وتغطّت بسبب أنه صار (مايطفح إلاّ اللوح).

 وُلدت مريم فاقدة للسمع الذي هو أحد أهم الحواس الإنسانية ، وهذا الفقْد عادة يلازمه عدم القدرة على النطق. سرعان ماتجاوز والداها صدمتهما واحتضنا ابنتهما رضى بقضاء الله وقدره وأدركا أنهما أمام محنة لم يتوقعا أنها ستتحول في يوم ما إلى منحة سأذكرها لاحقاً . فعاشت مريم طفولتها كأي طفل ، حرصت هي ومن معها على أن تكون عادية جداّ ، استشعرت وهي صغيرة أنها تحتاج إلى القوّة والعزم والإصرار لمواجهة هذا العالم الذي لم تكن تسمع نطقه وحروفه. كانت أمام خيارات أسوأها أن تستكين لعجزها وتسلّم بإعاقتها وتنعزل عن محيطها الذي لاتسمع مايدور فيه ولاتعرف مخاطبته. لكن الروح التي كانت تمتلكها مريم دفعتها لخوض تحدّي أن تقتحم هذا العالم وتعيش فيه ومعه وتتعلم وتتفوّق وتتوظف وتتزوج وتمارس حياتها بصورة عادية كما بقيّة الناس.

حجم الصعوبات والعثرات التي لاقتها وتغلّبت عليها طوال سني طفولتها ودراستها في المدرسة ثم الجامعة هي محل فخر ومدعاة إلهام لجميع من آثر حياة الكسل والاتكال والاعتماد على غير نفسه دون أن يفكّر فيما يملكه الإنسان في داخله من حواس وإمكانيات وقدرات تمكنه – إن أراد- أن يكون في مثل إصرار مريم فؤاد التي استطاعت رغم إعاقتها السمعية من التفوّق في مدرستها والتخرّج بامتياز من جامعتها وأن تصبح من خيرة الموظفات في محل عملها ثم هي الآن متزوجة وأم لطفلين.

اليوم ؛ من لايعرف مسبقاً بإعاقة مريم لايمكنه أن يكتشف أنها لاتسمع ! حيث أتقنت لغة حركة الشفاه وصارت تقرأ حركات الشفاه واللسان وتردّ وتتعامل مع كل من يتحدّث معها بصورة عادية جدا ، بل وباللغتين العربية والإنجليزية بكل كفاءة واقتدار بصورة تنمّ عن مقدار النجاح الذي حققته مريم في التحدّي الذي شقّت طريقها فيه . ونشكر تليفزيون البحرين الذي استضافها مؤخراً وتابعنا قدرتها الفائقة على فهم الأسئلة الموجهة لها والرد عليها ، وبسَطت مريم في هذا التقرير التليفزيوني مختصر ماتملّكها من إصرار على التحدّي والنجاح نحتاج – ربما – جميعنا للاحتذاء بهذه الروح الجميلة والهمّة العالية التي نقلتها من حالة الأصم الأبكم إلى حالة المتلقي والمتكلّم.

على أن وراء قصة نجاح مريم قصة نجاح أخرى لاتقلّ عنها في أهميتها ؛ بطلها هو والد مريم ، الدكتور الفاضل فؤاد صالح شهاب ، الأستاذ الأكاديمي وعضو مجلس الشورى السابق. حيث شارك ابنته منذ البداية إصرارها على تجاوز عقبة الإعاقة لديها ، وتفرّغ – أو كاد – لأن يكون مصدراً لإلهامها ومصاحبتها في رحلة تكوين حياتها وتذليل صعوبات وعقبات تعامل معها بألفة الواثق من القدرات وحنان الأبوّة  . ورفض أن يترك هو وحرمه المصون ابنتهما تصارع محنتها وأزمتها لوحدها . كانا بالنسبة لمريم مصدر إلهام وتحفيز وتشجيع لم يحسساها أبداً بأية فوارق بينها وبين الآخرين . بل وانشغل الدكتور فؤاد بمحنة ابنته إلى الحد الذي أصبح أحد الخبراء في علاج فاقدي السمع والتعامل معهم وأسس تبعا لذلك في العام 1994 مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود لتنمية السمع والنطق الذي يهتم بتدريب المعوق سمعيا ووسائل تأهيله وقنوات تواصله مع أقرانه ومجتمعه واستطاع منذ افتتاحه وحتى الآن تأهيل أكثر من (1000) طالب وطالبة من المعوقين سمعيا للالتحاق بالمدارس . في مهمة إنسانية نبيلة ونبوغ عاطفي استطاع تحويل المحنة إلى منحة استفاد منها أعداداً غير قليلة من أبناء البلد . وبالتالي سجل الأب وابنته قصتا نجاح ، كان كل منهما سبباً للأخرى.

سانحة :

تعلّمت في حياتي المهنية أن هنالك علاقة طردية بين المستوى العلمي والمستوى الأخلاقي . فكلّما انحدرت الشخصية العامة أو المسؤول في مؤهلاته ؛ ساءت أخلاقه . والعكس صحيح : كلما ارتفع المستوى العلمي ؛ تسامت أخلاقه وكان التواضع عنواناً جميلاً في صفات وسمات هذا الشخص . وأحسب أن الدكتور فؤاد شهاب الذي عملت معه في مجلس الشورى في التسعينيات هو من الصنف الثاني ؛ من أصحاب المؤهلات العلمية الرفيعة – أقصد الحقيقية وليست من اللي خبري خبرك – فكان التواضع وحسن الخلق والتعاون والإنجاز أحد العناوين الهامة التي لازالت باقية في ذاكرتناعنه.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s