بالغ الشكر والتقدير للإخوة السيد خالد الحمد الرئيس التنفيذي للرقابة المصرفية بمصرف البحرين المركزي والسيد عدنان عبدالملك رئيس جمعية المصارف البحرينية على تواصلهما الكريم بشأن موضوعي السابق ” من يحمي أموالنا في البنوك” ونتمنى أن تتكلل الجهود بحفظ أموال المودعين وحقوقهم.
الموافقات الرقابية:
حصلت مفاجأة غير متوقعة في قصتنا مع أحد البنوك (الإسلامية) الاستثمارية التي نشرناها الأسبوع الماضي في مقال بعنوان ” من يحمي أموالنا في البنوك ؟!” https://bit.ly/3tD8yQT وتطرقنا فيه إلى قيام هذا البنك باحتجاز الأموال ومدخرات الأبناء من خلال التمديد لبقائها رغم انتهاء مدتها المتفق عليها،ورغم عدم موافقة صاحب المال وأبنائه على التمديد المطلوب وقدره ستة أشهر (بالمناسبة انتهت أيضا هذه المدة المغصوبة).
المفاجأة كانت في ردّ البنك على استفسار قانوني حول سندهم القانوني أو (الشرعي) في احتجاز الأموال ومدخرات الأبناء والتمديد غصباً عنهم وبدون موافقتهم ؛ حيث جاء الرد المفاجأ بأن البنك (حصل على الموافقات الرقابية اللازمة للتمديد)!!
إذا صحّ هذا الكلام الغريب والمفاجأ فإننا أمام مفارقة صادمة ومدعاة للقلق حيث أن أموال الناس في البنوك لها خصوصيتها وسريتها، ويُفترض أنها مصانة ومحفوظة اعتمادا على نص الدستور في البند (ج) من المادة التاسعة التي تذكر أن : ” الملكية الخاصة مصونة” . وبالتالي لاسلطة لأحد على المال داخل البنك إلاّ لصاحب هذا المال فقط ، وليست مباحة لأي أحد غيره. ولايمكن لأي جهة أن تتدخل في سحبها أو تجميدها أو تحويلها أو تمديد بقائها أو ماشابه ذلك من أنواع التعامل والتصرّف فيها بدون علم وموافقة صاحبها.
فالناس تستأمن البنوك ، سواء (الإسلامية) أو غيرها على أموالها ولاتتوقع إطلاقاً أنها في يوم من الأيام ستكتشف أن هنالك من سيشاركها في طرق التصرف بأموالها في تلك البنوك تحت مسميات مثل (موافقات رقابية). لانتكلم هنا عن احتجاز أموال لأسباب جنائية مسنودة بأحكام قضائية باتّة، فهذه ليست موضوعنا ولاقصتنا.
لم يذكر هذا البنك أيضاً في ردّه ماهية هذه (الموافقات الرقابية) ؛الأمر الذي يستدعي أن تتدخل الجهات المعنية بما فيها مصرف البحرين المركزي لبيان حقيقة هذه الادعاءات وتفنّدها وتوضح أو بالأحرى تطمأن عموم المودعين أن ودائعهم وأموالهم في البنوك في أمان ومنأى من أن تتصرّف فيها أي جهة أو سلطة غير سلطة صاحب المال نفسه، وأنه لايوجد شيء يمس هذا المال من مثل (موافقات رقابية).
كما أن البنك لم يذكر أيضاً مصدر وصاحب هذه (الموافقات الرقابية). ولانتوقع أن المصرف المركزي له شأن بها فقد أقرّ المصرف في ردّه الشفهي على الشكوى ضد البنك نفسه – كما أوضحنا- في المقال المذكور بأن التمديد بدون موافقة صاحب المال وأبنائه مخالف، وبالتالي لايتصوّر أن من يؤكد أمامك مخالفة الإجراء يقوم بإجازته من خلفك ، فضلاً عن أن المصرف المركزي لايوجد في صلاحياته أو اختصاصاته التصرّف في أموال المودعين بأي شكل من الأشكال فهو -على العكس – مسؤول عن حماية أموال المودعين وتعزيز ثقتهم بالمؤسسات المالية وطمأنتهم حول مدى الأمان والثقة التي تتمتع بها مؤسساتنا وبنوكنا المالية، وذلك بحسب القانون رقم (14) لسنة 2020 م بشأن مصرف البحرين المركزي الذي يقول في مادته الأولى تحت عنوان (أغراض المصرف المركزي) في البند رقم (٥): “حماية المودعين وعملاء المؤسسات المالية وتعزيز الثقة في مكانة مملكة البحرين كمركز مالي عالمي “.
وكذلك لاأتصوّر أن مصدر هذه (الموافقات الرقابية) الغريبة هي من صنع الهيئة الشرعية للبنك حيث يكفينا في شرعنا الحنيف ماقاله المصطفى صلى الله عليه وسلّم : “من اقْتَطَعَ حَقَّ امرئٍ مسلم بيمينه، فقد أَوْجَبَ اللهُ له النارَ، وحَرَّمَ عليه الجنةَ” فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ فقال: “وإنْ قَضِيبًا من أَرَاكٍ”. بالإضافة إلى أن الهيئة الشرعية لازالت ملتزمة الصمت حول طلبنا الرأي الشرعي في قيام البنك باحتجاز الأموال ومدخرات الأبناء غصباً عن أصحابها وبدون موافقتهم ، واستمرار احتجازها حتى بعد انتهاء مدة التمديد- ستة أشهر- المغصوبة. وأتوقع أنهم (متوهقين) في الرد.
سانحة:
قلت ذات مرّة لأحد الزملاء: أخبرونا في بداية تأسيس البنوك الإسلامية بأنها ستكون البديل عن البنوك الأخرى وأنها ستقدّم نماذج مختلفة في تحمّل مسؤولياتها الاجتماعية وخدمة مجتمعاتها وستكون بعيدة ومبرأة من الجشع والاستغلال والأرباح الفاحشة وماشابه ؛فما رأيك فيها الآن بعد كل هذه السنوات؟ فردّ علي وهو يبتسم:أنصحك بسماع أغنية مشهورة للفنان المصري المرحوم محمد عبدالرحيم (شعبولا) الذي يقول في مقدمتها :(اسمع وافهم كلامي .. فيها ايه لو نبقى واحد ونغير الأسامي) .