تقول القصة التي جرت أحداثها في 24 مايو الماضي بولاية تكساس الأمريكية أن شاباً مسيحياَ يبلغ من العمر (18) عاماً يدعى سلفادور راموس قد حمِل بندقية حصل عليها بشكل قانوني – حسب رواية الشرطة – ثم كتب رسالة على الانترنت ، قال فيها إنّه “سيطلق النار في مدرسة ابتدائية” قبل أن يقتحم حرم مدرسة البلدة الابتدائية في سيارة (بيك أب) ثم يترجّل من السيارة فيحاصر طلاب صف دراسي واحد ثم يطلق النار عشوائياً بكل وحشية وهمجية فيقتل في بضع لحظات (19) طفلاً في مجزرة دموية لاتنقصها البشاعة، يهتز من فظاعتها ضمير الإنسانية.
هذه الجريمة المروّعة وقعت ومرّت بهدوء شبه تام،وبدون (شوشرة) أو ضجيج إعلامي ، لم تتصدّر تفاصيلها الفضائيات أو وكالات الأنباء ، وأعتقد أن كثرة منّا لم يسمع بها لأنها لم تُعلن في الآفاق ولم تُطر بها الرُكبان،ولم تستمر في الأخبار لأيّام وأسابيع،ولم يطلق عليها أي أحد بأنه هجوم أو عمل إرهابي بعد أن أصبح مصطلح الإرهاب حصراً وقصراً على ماله علاقة بالإسلام .
ولأن القاتل مسيحياً فقد مرّت هذه المذبحة برداً وسلاماً ، لم تصدر بشأنها بيانات وتقارير وماشابهها من ردود أفعال علينا أن نتصوّرها – مجرّد تصوّر – لو أن مرتكب مذبحة هؤلاء الأطفال كان مسلماً! حينئذ لاشك أن ردّ الفعل الأمريكي والأوروبي سيكون قاسياً ومجلجلاً ومشبعاً باتهامنا – دول وأفراد – بالإرهاب والتشدّد والتطرّف، قد تقطع الفضائيات بثها لنقل خبر الحادث ، وستُفرد الوكالات والجرائد صفحات وزوايا لاستعراض هذه الجريمة،وستتحرّك آلتهم الإعلامية و(ماكينتهم)الدبلوماسية والحقوقية بنعت الدين الإسلامي والمسلمين بالتعصّب والعنف والإرهاب، وأن مناهجهم ومحاضنهم الدراسية تبعث على كراهية الغرب والأديان الأخرى. وسيرسلون وفودهم للتحقيق والمتابعة الجنائية، وسيلاحقون المتهم وأقاربه،وسيبحثون عن من يقف ورائه ، ويمكن كل من له علاقة به للمطالبة باعتقالهم وإيداعهم – ربما – في ظلمات سجن “غوانتنامو” وأشباهه . سيتكلّمون عن الإسلام كدين للإرهابيين وملاذ للسفاحين ،وسيستخدمون هذا الحادث الإجرامي – لو كان الفاعل مسلماً- كذريعة لاستمرار مطالباتهم وتحركاتهم وتحالفاتهم في محاربة الإسلام تحت مسمى (مكافحة الإرهاب) ومحاصرة جذوره ، وتجفيف منابعه وإضعاف روافده وإلقاء اللائمة على محاضن القرآن الكريم والتحريض على منابر الجمعة ودروس العلم والفقه وماشابه ذلك مما يجري محاربته والتضييق والتحريض عليه تحت هذه الذرائع والدوافع.
وعلى الجانب الآخر ستنتفض وتتضامن معهم الأنظمة العربية والإسلامية ، وستصدر بيانات شجب واستنكار لهذا الحادث الإرهابي البشع ، وقد ترسل برقيات تعزية ومواساة ، وقد يغرّد وزراء ومسؤولون في (التويتر) أو الانستغرام برسائل حزن وإدانات وبكائيات على هذا الدم المهراق، ثم يستغرقون ويُسهبون في الكلام والتصريح والبيان عن أهمية التعايش بين الأديان، وأن دين الإسلام هو دين التسامح والرحمة ، وما إلى ذلك من (فزعة) أمريكية وأوروبية وعربية نتوقعها لو أن مجزرة تكساس كان مرتكبها مسلماً قتل بدم بارد هؤلاء الـ (19) طفلاً.
سانحة :
غني عن البيان أن آلة الفتك والذبح تعمل بشكل شبه يومي قتلاً وذبحاً في أرواح المسلمين؛ في فلسطين كما في سوريا كما في الهند كما في الإيغور وغيرها من مواقع يٌستباح فيها الدم المسلم من دون أن تنهض حميّة أحد لهم أو يُتهم الجزّارون بالإرهاب أوتُستثار همم وضمائر فتحزن وتستنكر وتغضب لهذه الدماء المهراقة بلاحسيب ولارقيب ، لالشيء سوى أن تلك الدماء والأرواح لابواكي لها.