بعض الأخطاء أو الخلل في السياسات أوالاستراتيجيات أو سمّوها ماشئتم إذا أدّت إلى فشل كبير في أهدافها وعجز عن تحقيق غاياتها وتحوّلت تبعاتها وتداعياتها إلى مايشبه التأثير الكارثي على حياة الناس وأرزاقهم وسويّة مجتمعهم؛ لايصحّ أن تمرّ مرور الكرام دون محاسبة ومساءلة. فمثلاً العجز الاكتواري الذي حدث في الصناديق التقاعدية وأدّى إلى ماترون وتسمعون من تعديلات أساءت لحقوق ومكتسبات كان المفترض والمأمول زيادتها وتعظيمها أسوة بما يحدث في دول الجوار؛ هذا العجز لم يحصل صدفة أو فجأة أو بدون فاعل وإنما هو نتيجة لممارسة وإدارة ينبغي التوقف عندها ومساءلتها بدلا من تحميل تبعاتها وعواقبها من لم يكونوا سبباً في حدوثها.
الأمر نفسه بالنسبة لنظام التصريح المرن؛ فقد أرادوا منه حين تدشينه أهدافاً وغايات اكتشفنا بعد خمس سنوات من التطبيق أنها لم تتحقق! بل إن المشكلة التي أدّت إلى تطبيق التصريح المرن قد تفاقمت وأصبح تأثيرها كارثيا على المجتمع الذي وجد أبناءه من خريجي المدارس والجامعات أرقاماً تتزايد في سجلات العاطلين عن العمل.
ففي عام 2017 بدأ تطبيق هذا النظام المأفون المسمّى بالتصريح المرن وسط هالة من التصفيق والتسويق له مصحوباً بحفلات الردح والتطبيل المعتادة وربما اعتبروه آنذاك كما (المشروع المنقذ)!! بل إن السيد أسامة العبسي الرئيس التنفيذي الأسبق لهيئة تنظيم سوق العمل قال في لقاء منشورتحت عنوان (العمل المرن حل ّ جذري للعمالة السائبة) بتاريخ 31 يوليو 2017 في جريدة الأيام: (أن تصريح العمل المرن تمت صياغته وإطلاقه بعد دراسات مستفيضة ناهزت السنتين والنصف) مضيفاً (بأن المخاوف من كون هذا النظام سيسهم في تقليل أفضلية العامل البحريني أمام الأجنبي ليس لها سند واقعي أو علمي )!
الهدف :
أما الأهداف من التصريح المرن فقد أكّد الرئيس التنفيذي الأسبق لهيئة تنظيم سوق العمل في ذات هذا اللقاء (أن هذا النظام – التصريح المرن- يهدف بصورة أساسية إلى منح المواطنين فرصهم في السوق من جهة ويمكّن أصحاب العمل من مصالحهم من جهة أخرى).
والنتيجة :
قال السيد سمير ناس رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين في تصريح صريح وحزين جداً في جريدة الأيام بتاريخ 14 يناير 2019 : ( أن مايقارب (85%) من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أصبحت مملوكة للأجانب بسبب الفيزا المرنة”. ليكشف فشل هذا التصريح المرن في الهدف المسمّى (منح المواطنين فرصهم في السوق) !! فقط تصوّروا فداحة هذه النتيجة.
الهدف الآخر :
ذكر الرئيس التنفيذي الأسبق لهيئة تنظيم سوق العمل في ذات اللقاء المنشور عام 2017 عند بدء تدشين نظام العمل المرن( أنه سيساهم في وضع حل جذري للعمالة غير النظامية (السائبة). ثم عاد فصرّح في العام 2019، بالضبط في الأول من ديسمبر 2019 منشور أيضاً في جريدة الأيام يقول فيه أن(عدد العمالة المخالفة عند بدء تطبيق النظام المرن في العام 2017 كانت تصل إلى نحو 82 ألف عامل مخالف انخفضت أعدادهم اليوم لتتراوح بين 50 -55 ألف عامل مخالف ).
والنتيجة :
وبعد خمس سنوات من تطبيق نظام التصريح المرن ؛قال السيد سمير ناس رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين في تصريح مخيف -(حسب وصفه)- منشور في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 18 أكتوبر 2022 بأن (العمالة غير النظامية وصل عددهم إلى رقم مخيف تجاوز 110 ألف عامل بينهم 24 ألف عمالة مرنة)!!
أي أنه بعد خمس سنوات من تطبيق نظام التصريح المرن عجز عن تحقيق أي هدف من أهدافه التي ذهبت أدراج الرياح وسببت مصائب مثل أن (85%) من مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة ليست للبحرينيين! ومثل وجود عدد (110) ألف عامل مخالف بعدما كانوا في عام بدء التطبيق (82) ألف عامل مخالف. فلا أفضلية تحققت للبحرينيين ولاحل جذري للعمالة المخالفة التي – على العكس – تفاقم وتعاظم عددها إلى حدّ أن حتى رئيس الغرفة التجارية في البلاد يصف عددها بالمخيف! ياترى؛ كيف تذهب كل هذه النتائح الكارثية أدراج الرياح، بلا حساب ولامساءلة ؟!! من يتحمّل هذه التبعات المكلفة جدّاً جداً،سواء على صعيد الاستقرار الاجتماعي والمعيشي أو على الهويّة الوطنية أو على المرافق والخدمات أو على حاضرالأجيال ومستقبلهم؟! وهل سيتم تحميل تداعياتها من لم يكونوا سبباً في حصولها كما في حالة عجوزات صناديق التقاعد؟!
سانحة :
بعد التدخّل الحكيم والقرار الجريء لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بإلغاء نظام التصريح المرن تكرّرت من بعض المسؤولين عبارة مقتضبة ومختصرة تقول (تسجيل هذه العمالة بالشراكة مع القطاع الخاص)! من دون أن يتم شرحها وتبيانها وتفصيل ماذا تعني؟ وتركت الناس في حيص بيص ومخاوف من أن هذه العبارة تعني إلحاق وتوظيف هذه العمالة في شركات ومؤسسات القطاع الخاص فتقضي بذلك على ماتبقى من آمال وفرص توظيف لأبنائنا العاطلين!! وبالتالي – إن صحّت هذه المخاوف – ستكون بمثابة تفريغاً لقرار الإلغاء من محتواه .. كل الأمل والرجاء أن تكون هذه التفسيرات والمخاوف مجرّد أوهام وخيالات لاأساس لها من الصحّة حتى لاتفسدوا فرحة الناس بقرار سمو ولي العهد رئيس الوزراء.