المقالات

كلّنا نحب العراق

اليوم دعوني لا أعيد عليكم فصولاً من تاريخها القديم،ولن أواصل غزلي في عيون عشتار وجمالها العجيب. لن أعيد التباهي بأول حرف كتبه فيها كاتب عليم،ولن أعيد التأكيد بأنها أوّل حضارة وأوّل من بنى مكتبة وزرع أوّل حديقة وكتب أوّل تشريع ووضع القوانين. لن أفاخر بأن أرضها شهدت مولد أبوالأنبياء الخليل. لن أشير من قريب أو بعيد إلى أعداد النخيل فهي مشغولة الآن بالتسبيح والتهليل.لن أشرح لكم عن عذوبة ماء دجلة والفرات فماؤهما يأتي من جنات النعيم .لن أتحدث عن روعة الغروب عند شطّ العرب حيث يداعب الأحبة الهواء العليل. لن أذكر غيمة الرشيد وهي تطوي الآفاق شرقاً وغرباً لن أذكر المأمون وهو يذكي النور للدنيا من مشاعله ولا المنصور ومسبحته التي كانت تقطر سلاماً من حبّاتها وتسكب العزّ في راية الإسلام. لن أذكر خيبة هولاكو ومقتله على أرضها.لن أعيد عليكم كيف كان النور يضيء الشوارع فيما الغرب أعمى في ظلمته.كل هذا التاريخ أنتم تعرفونه ونحن بالتأكيد نحفظه .

إذن دعوني اليوم أتكلم عن البشر في العراق،عن الناس الذين صنعوا كل هذا،وجعلوا العراق عزّ العرب. دعوني أتحدث عن المتنبي الشاعر العظيم،عن الفراهيدي ومعجم العين لايزال في يديه حين يصعب التفسير. نتحدث عن الأصمعي وصفير البلبل،عن سيبيويه والنحو بات علماً على يده يراقبنا في كل حرف نقوله أو نكتبه.سأعيد مرّات قراءة الفرزدق والبحتري وأعيد قراءة كل كتب الجاحظ عن البخلاء وفي البيان والتبيين.

 أيّ أرض هذه التي أنجبت كل هؤلاء البشر، كل هؤلاء العباقرة.وأيّ زمن جاد بهم علينا.أيّ أرض أسعدتنا بالسيّاب والبياتي والرصافي ونازك وزها حديد. أيّ شعب هذ الذي قدّم للدنيا كل هذه الأسماء ولديه في كل يوم من شعبه مزيد .

العراق يولد في كل يوم على أرضه شاعر وعالم وطبيب. دعوني أتحدّث لكم اليوم عن أطول النخلات ،عن العيون والضحكات ،عن شهرزاد وهي تقصّ ألف ليلة جديدة تطوف من الخليج للمحيط والبحار البعيدة .أحكي لكم عن شعب يحب الحياة ،وعن صياد رمى شباكه وانتظر فخرجت له عروس حسناء تغني “عبرت الشط على مودك وخليتك على راسي”.

الناس في العراق هم من صنعوا الحضارة،هم من بنوا بابل،هم من سيّروا القوافل بالعلم والفكر، دون قيد أو تقييد،دون إقصاء أو رفض. شعب يكتب التاريخ صفحاته بهم جيلا بعد جيل. شعب محا من طريق الفجر ليل المستحيل.

 أمس جلست بيدي كوباً من الشاي العراقي المعطّر،أتفحّص الوجوه، فوجدت بابل تبتسم وعشتار تجلس في الصفوف. عشتار لم تكن واحدة، بل كانت ألوف.رأيت الشمس  تعود من جديد، تشرق من العراق فينير ماء المحيط .رأيت فرحة الوجوه وهي تعبر الحدود وتأتي إلينا تسكن في القلوب.رأيت راية العرب وهي ترفرف بحبّ في كلّ بيت. ياعراق افخري بتاريخ مجيد وشعب أصيل،وارفعي وجهك الأبي مع الشمس .. كلنا نحب العراق.

كانت تلك الكلمات قطعة أدبية رائعة قدّم بها المذيع الإماراتي المتألق يعقوب السعدي برنامجه في قناة أبوظبي الرياضية بمناسبة بطولة (خليجي25) التي تقام حالياً بالبصرة. فكانت تلك المقدّمة من أجمل الجماليات الكثيرة التي قيلت هذه الأيام في حبّ العراق الذي هو أحد أهم معاقل الإسلام وموطن العروبة التي ستفشل كل محاولات انتزاعه من جسمها .. فالعراق سيبقى القلب النابض للعروبة وحصنها المنيع.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s