المقالات

عندما أبكتني أم خالد.. وشكراً ولي العهد

أم خالد؛سيدة بحرينية وهبت نفسها وحياتها لابنها المصاب بمرض التوحّد لأجل معالجته والنهوض به. كتبت عنها في عمودي (راصد) في جريدة أخبار الخليج في 11 أغسطس 2009  تحت عنوان” ساعدوا أم خالد” حيث كانت قد أرسلت فلذة كبدها (خالد) إلى مركز خاص لأطفال التوحد في الأردن لكنها عجزت عن السفر إليه ومشاهدته والاطمئنان عليه في الوقت الذي كانت حالة ابنها تسوء أكثر فأكثر في ظل ظروف معيشية صعبة تمرّ بها لاتمكّنها من السفر إليه.

في ذات اليوم تلقيت اتصالاً من ديوان سمو ولي العهد حفظه الله طلبوا منّي رقم التواصل مع أم خالد حيث امتدّت اليد الحانية الكريمة لسموّه لتتكفلّ بكامل تكلفة سفرها لعدة سنوات كان يتعالج ابنها خلالها بالأردن.

كانت الصحافة آنذاك في زمنها الجميل حلقة وصل صادقة بين الناس والمسؤولين، تنقل نبض الشارع،ومرآة هموم الناس ووعاء مشكلاتهم، تعكس تنوّع آرائهم وأطروحاتهم، مستودع قضاياهم وأحوالهم وتطلّعاتهم ،ووسيلتهم الأمينة للوصول إلى أصحاب القرار.

وكانت الأخبار والتقارير والتحقيقات ومعها أعمدتنا الصحفية قنوات ثريّة ومفتوحة ومهمة جداً يُنقل من خلالها مشكلات الناس وقضاياهم اليومية، وكانت أعمدتنا الصحفية محل متابعة واعتبار واحترام وتقدير من الجمهور ومن كافة المسؤولين، كباراً وصغاراً. بل لاأبالغ إن قلت أنه كان لايكاد يمرّ أسبوعان أو ثلاثة أسابيع – أقلّ أو أكثر- دون أن أتلقى اتصالاً من ديوان رئيس الوزراء أو ديوان ولي العهد، يستفسرون عن مشكلة مواطن أو حالة أو قضية كتبتها في عمودي الصحفي (راصد) قبل توقفه. وكنت – كما غيري من أصحاب الأعمدة الصحفية آنذاك- نستمتع بنقل معاناة المواطنين ومشكلاتهم،سواء في السكن أو المرض أو الكهرباء أو البلديات أو التعليم أو ماشابهها من خدمات وحاجات لايمكن لأحد أن يتصوّر حجم الفرحة التي كانت تغمرنا عند معالجة هذه المشكلة أو تحقيق تلك الحاجة أو تخفيف تلك المعاناة خاصة إن كان حصل ذلك من خلال تواصل كريم من أحد تلك الدواوين الذي كان عادة مايأتي اتصالهم في الصباح الباكر وغالباً في أثناء طريقنا للدوام، يأتي الاتصال من أحدهم فيقول: “شيوخ قرأوا عمودك ويستفسرون عن ……. ” وذلك بطريقة لاتنقصها الدلالة على حجم ومكانة الصحافة حينذاك في زمنها الجميل.وذلك قبل أن تبتعد الآن هذه الصحافة -التي كانوا يسمونها (السلطة الرابعة) – عن حياة الناس ونبض مجتمعهم، وتعود للوراء فتتحوّل فجأة إلى صحافة الخبر والتقرير وأيضاً الرأي ذي اللون الواحد،وتندمج جرائدنا بقدرة قادر فيما يشبه قالب موحّد هو أقرب إلى وكالة الأنباء الرسمية أو أشبه حتى بالجريدة الرسمية،وتقيّد فضاءها الواسع لتحصر غالبه في (المرديحه والتطبيل وبيع الهواء) وتكون أنّات الناس ومعاناتهم ومشكلاتهم وانتقاداتهم مجرّد (تحلطم) ليس في وارد اهتمامات هذه الصحافة ،فانعدمت أو ضاقت مساحته في رحابها المفترضة. وبالتالي انفكّت هذه الصحافة عن ملاصقة الشارع وناسه.فعزلت نفسها عن الحيوية والتميز والتنوّع الذي كان بصمة بارزة في صحافتنا البحرينية عندما كانت في سابق الأزمان رائدة الصحافة والسبّاقة إليها منذ بدايات حركة النهضة الثقافية في خليجنا ومنطقتنا العربية.

ونتج عن هذا الغياب والانعزال اللافت للصحافة أن خفت صوتها وذبل عودها وغابت – أو كادت – عن دنيا الناس وأصبحت غير ذات أهمية في نشر الوعي وتشكيل الرأي العام أو بناء الفعل وتكوين الضغط المجتمعي.فأفسحت بهذا التراجع المريب الفرصة لمن يملأ هذا الفراغ في ماتشاهدونه في وسائل التواصل الاجتماعي من حالة أقرب إلى الفوضى وربما الانفلات حيث امتلأ العالم الافتراضي بالمناشدات والمطالبات والاعتراضات.وصارت وسائل هذا العالم المفتوح أواني للآراء وأوعية للأفكار والانتقادات وساحة بديلة لعرض قضايا الناس وهمومهم ومختلف أنواع الحالات التي قد تكون بلا ضابط ولامعيار. اختلط فيها الحابل بالنابل وتشابك الصدق بالكذب وتداخل التجنّي مع الإثارة وأداة من خلف (الكيبورد) للسبّ والقذف وتصفية الحسابات وغيره مما تسمعون وتشاهدون وتقرأون،مما لايمكن تفسيره إلاّ بأن أحد أسبابه الرئيسية هو الحالة الصحفية الراهنة. فالكأس الفارغة لابد أن تجد لها من يملأها ويستغل فراغها.

جالت هذه الخاطرة في نفسي الأسبوع الماضي عندما بادرتني باتصال هاتفي السيدة الفاضلة (أم خالد) نفسها التي كتبت عنها في عمودي (راصد) منذ حوالي (13) سنة لتعيد توجيه شكرها لي على ماكتبته عنها آنذاك وذكرت أنني كنت سبباً ومفتاحاً لتواصل ديوان ولي العهد الذي فرّج عنها وأسعدها وأنها لاتفتأ من الدعاء لسموّه حفظه الله على ما أولاه من مساعدة ورعاية لها ولابنها،أكسبتها أملاً وتفاؤلاً،وجعلها أكثر عزيمة وإصراراً على الاستمرار في علاج وحيدها.نسأل المولى عز وجل أن يعينها ويطمنّها عليه.

بعدما أنهت (أم خالد) مكالمتها استحضرت تلك الذكريات الأثيرة فيما كنت أكتبه في ذاك العمود على مدار مايقارب (17) عاماً، وبحثت عن مقالي المقصود في مكالمتها (ساعدوا أم خالد)؛ قرأته عدّة مرات دون أن أتمالك دمعي على جميل تلك الأيام الماضية.

رأي واحد على “عندما أبكتني أم خالد.. وشكراً ولي العهد

  1. جزاك الله خير بو فيصل زوجتي ايضاً لعمودك الفضل في حل مشكلتها حيث تخرجت بالانتساب من جامعة الامام محمد بن مسعود فرع رأس الخيمة ووزارة التربية كانت تماطل في التصديق على الشهادة وعرضت عليك المشكلة وقمت مشكوراً بعرض المشكلة باسلوب راقي وذكر عراقة وقوة مستوى التعليم في الجامعة ومن ثم تطرقت لمشكلة زوجتي والكثير ممن يعانون من عدم التصديق على شهادتهم وكانت النتيجة انهم صدقوا على الشهادة وتوظفت زوجتي مدرسة وها هي الآن خرجت للتقاعد فجزاك الله خير الجزاء واعاد الله الينا ذلك الزمن الجميل بكتاب اعمدة صادقين مع الله اولاً ومن ثم صادقين مع المتابعين

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s