راصد

“حارة كل مين إيدو إلو “

 ليست المرّة الأولى التي أكتب فيها عن هذه الحارة ، لكن الظواهر والأحداث من حولنا تستدعي أن نستذكر قصة هذه الحارة العجيبة ربما نكتشف أننا نعيش فصولها على أرض الواقع . “حارة كل مين إيدو إلو ” هي اسم المنطقة التي دارت فيها أحداث مسلسل ” صح النوم ” الذي يُعد من أشهر المسلسلات الكوميدية العربية التي عُرضت في السبعينيات والثمانينيات وحصلت على قبول من جمهور المشاهدين الذين صاروا لا يملّون من إعادة مشاهدته حتى لو عُرض عليهم عشرات المرات .

صحّ النوم عمل فني من بطولة الفنان دريد لحام الذي أخذ دور غوار الطوشة وشخصيات أخرى كأبو عنتر ( ناجي جبر ) وفطوم حيص بيص ( نجاح حفيظ ) وأبو كلبشة ( عبداللطيف فتحي ) حيث يتنافس فيها غوار الطوشه وحسني البرزان (نهاد قلعي) على قلب وحبّ فطوم حيص بيص.

وقد حقق هذا المسلسل آنذاك نجاحاً منقطع النظير لانتقاده عدد من الظواهر السلبية في المجتمع بأسلوب لايخلو من المرح والفكاهة البسيطة. ولعلّ أكثر ما كان يُلفت في هذا المسلسل هو اسم الحارة “حارة كل مين إيدو إلو ” الذي كان يبدو للمشاهدين آنذاك مثاراً للضحك والتهكم خاصة إزاء المقالب الكثيرة التي كان يدبرها غوار الطوشة من بنات أفكاره الماكرة لغريمه حسني البرزان دونما حسيب أو رقيب ولا تتدخل السلطة  ( أبوكلبشة ) إلاّ بعد أن يقع الفأس في الرأس .

 على أن اسم الحارة “حارة كل مين إيدو إلو ” الذي اخترعه هذا المسلسل مضى فيما بعد مثلاً قائماً يتم الاستشهاد به تجاه أوضاع كثيرة يغيب فيها القانون أو تُستضعف فيها هيبة السلطة ويهتز بسبب ممارستها مفهوم الدولة الذي يعني السيادة والشرعية المنضوية تحتها عدد من المؤسسات والهيئات والتنظيمات القانونية والاجتماعية والإدارية وسائر الوسائل الضرورية لإدامة الدولة والحفاظ على كيانها ومجتمعها ، وحماية أمنها واستقرارها وضمان تطبيق النظام والقوانين ، وتوفير المناخ الملائم لممارسة مواطنيها حياتهم بشكل طبيعي وفق ماتتطلبه أساسيات المواطنة الصالحة .

ويبدو أن في البحرين هناك من استساغ فكرة “حارة كل مين إيدو إلو ” فأخذ ينظم حياته وتحركاته على أساسها ، فاختار أن يكون بعيداً عن سلطات القوانين أو أنه صار ينتقي منها ما يناسبه ويرفض ما يتعارض منها مع أهدافه وتطلعاته أو يتملّص من أية استحقاقات تفرضها هيبة الدولة ومؤسساتها أو يتخفّف من واجبات ومتطلبات التعايش مع المكوّنات الأخرى في مجتمعه ( حارته ) . الأمثلة على ذلك قد لا تحتملها مساحة العمود وربما لو قرّر مؤلف مسلسل ” صح ّ النوم ” الفنان نهاد قلعي إعادة إنتاجه لاحتاج عشرات الحلقات لاحتواء هذه الأمثلة وإسقاطها على الحارة التي ابتدعها في مسلسله “حارة كل مين إيدو إلو ” قبل أن يكتشف أن بلداً تُسمى البحرين صار يُراد لها من قبل بعض ساكنيها أن يكون واقع الحياة فيها كحال ” حارته ”  .. لا قانون ولا نظام ، لاحسيب ولا رقيب ، لا جزاء ولا عقاب ، ولا أحد في هذه الحارة غيره .

سانحة :

الذين طالبوا الدولة في يوم من الأيام بمعاقبة بعض خطباء منابر الجمعة لتعدّيهم – بحسب تقديرهم – على الوحدة الوطنية وإثارتهم للطائفية هم أنفسهم الذين يقولون اليوم أنه لا سلطان للدولة على منابر الجمعة !!

أضف تعليق