راصد

التـغـوّل (1-2) مسؤولية الدولة

أول السطر :

أعرف ابتداء أن البعض سوف يتحسّس من هذين المقالين وربما ( يزعل ) آخرون وربما يتهمني آخرون بالتخندق الطائفي وربما وربما لكننا نعيش في لحظات تاريخية فارقة نحتاج فيها إلى المصارحة والمكاشفة في أعلى درجاتها . قناعتي أن أمانة الكلمة التي نحملها توجب علينا أن نبوح بما نعتقده ونلمسه حتى لو جاء على خلاف مايراه الآخرون . عرضي هنا ليس طائفياً كما قد يتصوره البعض إنما هو تحليل لواقعنا الذي نعيشه . وأتمنى من كل قلبي أن أكون مخطئاً في جزء أو أجزاء من مقالي أو حتى كلّه .

أصدق وصف يمكن أن نطلقه على المعارضة الشيعية الممثلة في جمعية الوفاق هو أنها أصبحت كالغول في مجتمعنا ، وقد تم صنع هذا الغول على نار هادئة طيلة السنوات الماضية نتيجة سياسات وتقديرات خاطئة ساهمت في تمدّدها وانتشارها وتعاظم قوتها وسيطرتها وإيجاد مكانة كبيرة لها في الداخل كما الخارج توّجتها بأن يأتي مؤخراً ذكرها بالاسم – هكذا – في خطاب رئيس أكبر دولة في العالم أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة ! وحدها دون غيرها ، كأنما ليس في البحرين إلاّ النظام الحاكم والوفاق فقط !!

والحقيقة المؤلمة هو أننا نحن من صنع هذا الغول ، وسلّمه هذه المنزلة بكل طواعية ؛ فالدولة طوال السنوات الماضية كانت تتعامل بسياسات التسامح والعفو وغضّ الطرف والسكوت وكسب الرضا حتى لو كان عن طريق  الخضوع للابتزاز أو التهديد  أو تجاوز تنفيذ سيادة القوانين تجاه مخالفاتهم وتجاوزاتهم بحيث غدت – مثلاً – هذه المسيرات والاعتصامات وأعمال فوضى وتخريب شأناً شبه يومي لم تحاول الدولة الحدّ منه بينما كانت هذه الاحتجاجات وسائل ( خذ وطالب ) لا عقر لها ولاقاع .

الدولة نفسها قامت بتقوية المؤسسة الدينية لديهم – وتعلمون تأثير هذه المؤسسات في أي مجتمع – بحيث أن بلغت أعداد المساجد والمآتم أكبر بكثير من الحاجة ، وتجاوز عددها ضعف مساجد وجوامع أهل السنة والجماعة ، وذلك ناهيك عن أعداد مساجدهم ومآتمهم ومؤسساتهم غير المرخصة ( المسكوت عنها ) . لم يقف الأمر عند هذا الحد ؛ الدولة نفسها سمحت بتمدّد مواكب العزاء . فبعدما كانت محددة في أيام من شهر محرم وأماكن بعينها في المآتم أو الطرقات المحيطة بها ؛ صارت للعزاء مناسبات بلا عدد ، طوال العام ، وتخرج في شوارع وتسدّ طرقات بلا حدود ، وسمحت الدولة بأن تتّشح في شهر محرّم بالسواد حتى في تليفزيونها ويتم غلق حتى مجمعاتها التجارية وحدائقها وأسواقها وكل شيء فيها بحيث أنه صار من المعتاد أن يقوم بقية المواطنين بما يشبه الهجرة الجماعية إلى الدول المجاورة في هذه الأيام . أما الخطاب الديني عندهم فقد غضّت الدولة طرفها عن محتواه ، ولو تجاوز السقوف وتعدّ المحظور ، وبلغ من العلو منزلة ( لايُسأل عما يقول ويفعل ) . ولاتقارنوا مؤسستهم الدينية مع المؤسسة الدينية للمكوّن الآخر في المجتمع ، أهل السنة والجماعة ، فقد تم إضعاف مؤسستهم بإشغالها بالخلافات وتعيينات الخطباء والأئمة والمؤذنين ، وتسطيح خطابها الديني ومطالبته بالنأي عن قضايا الناس والبعد به عن السياسة وتجريده من نبض الشارع وعزله عن حيوية مشكلات الوطن وقضاياه ، بل كان يتم إصدار توجيهات وتعميمات وتحذيرات – أحياناً بالرسائل النصية ( المسجات ) – تمنع على خطبائنا الخوض في الشأن السياسي والنيابي والانتخابي وما شابهها من أمور حتى غدت  أو كادت أن تكون صلاة وخطبة الجمعة عند معظم الناس مجرّد تأدية فرض وتحصيل حاصل ، لاقيمة لها في واقعهم ومعاشهم ولا تأثير لها في عرض مشكلاتهم ومناقشة مستجداتهم وقضاياهم وتوجيههم بخلاف منابر المؤسسة الدينية الأخرى . لن أتكلم هنا عن مقارنات في تعامل الدولة مع المؤسستين الدينيتين – مثلاً – في تطبيق حظر استخدام مكبرات الصوت ( الميكروفونات ) ولن نتكلم – مثلاً – عن مقدار حرص الدولة وحزمها في حظرها إلقاء الخطب الانتخابية في دور العبادة بمؤسسات أهل السنة والجماعة بينما أوامر المشاركة والمقاطعة هناك تصدر من دور العبادة ، بلا حسيب ولارقيب ، ولا معاملة بالمثل ! الدولة نفسها من خلال وزاراتها وأجهزتها قد تعاونت إلى أبعد مما نتصوّر مع المعارضة الشيعية وعلى رأسها الوفاق ، كانت تُضرب لهم المواعيد مع المسؤولين بكل يسر وسهولة وتُفتح لهم المكاتب المغلقة عن غيرهم ، ولاتسألوا عن العطايا والبعثات والترضيات والتوظيف . لكن مثلاً ؛ ألا يحزّ في النفس أن تكشف لنا الأحداث المؤسفة التي مررنا بها أن هنالك أعداداً – في خانة الآلاف – من العاطلين عن العمل من أهل السنّة والجماعة ، هم الذين تطوّعوا لتسيير قطاعات هامة في البلد كالتعليم والصحة حينما كادت أن تنشلّ بالعصيان المدني ! كيف ومن عطّلهم وأجلسهم في بيوتهم ؟! وغداً نكمل .

أضف تعليق