راصد

التـغـوّل (2-2) مسؤولية أهل السنة والجماعة

الحقيقة المؤلمة الأخرى هو أن المكوّن الآخر في المجتمع ، أهل السنة والجماعة قد أسهم هو أيضاً في تغوّل المعارضة الشيعية وعلى رأسها الوفاق ، مقابل تهميش نفسه وتلاشي تأثيره . اللامبالاة وعدم الجدية وعدم الاهتمام صفات كانت لازمة لأبنائنا ، سواء في دراستهم أو جامعتهم أو أعمالهم أو نوعية أعمالهم من دون أن ينتبهوا أو يُنبّهوا أن الآخرين يتم تجييشهم وإعدادهم للمستقبل بطريقة أخرى . نحن بأنفسنا صنعنا وارتضينا أن تبقى مؤسستنا الدينية مختلفة عنهم ، وظننا تحت ضغط تنفيذ القانون ومحاربة آخرين أن هذا هو الوضع الطبيعي لهذه المؤسسة حتى لو بقي البون شاسعاً بين المؤسستين .

أما جمعياتنا السياسية ؛ فرغم أن أقوى جمعيتين وأكثرها تنظيماً وأتباعاً في الشارع السني ، هما المنبر الإسلامي والأصالة ؛ إلاّ أن عملهما اقتصر – أو كاد – في العمل السياسي ، للدقة أكثر في العمل الانتخابي ثم النيابي ! ومادون ذلك وما حواليه وماهو أهم وأبعد منه ؛ لم يكن في وارد الحسبان والالتفات ( رغم بعض المحاولات المقدّرة لهما ) . وذلك بخلاف الوفاق التي اشتغلت خارج هذا النطاق ولم تحبس نفسها فيه ، كانت تخطط في الأفق  فرتبت لها شارعاً ونظمت لها أتباعاً وأعدّت لها رموزاً وجهّزت صفاً أو صفوفاً ثانية وثالثة ، ولم يبق مجالاً إلا ودخلت فيه ولا تخصصاً إلاّ كان لها نصيباً وافراً منه ، وملكت في داخل وخارج البحرين علاقات وروابط استفادت منها وتفوّقت فيها – ربما – حتى على إمكانيات الدولة مثلما رأينا ونرى الآن من حشد إعلامي وحقوقي ودولي لم يكن للأصالة أو المنبر ( وشرواهم )  ولو جزء يسير مثله .

وللأسف الشديد فإن الجمعيتين ( القويتين ) في الشارع السني استُنزفت – أيضاً – على مدار السنوات القليلة الماضية جلّ طاقاتهم وجهودهم في الدفاع عن كيانهم ، وصدّ جبهات ومؤامرات كانت تُحاك ضدّهم ، والأسوأ أن من كان يعاديهم ويحاربهم هم من أهل السنّة والجماعة بدلاً من أن يكونوا عناصر تقوية لهم ودعمهم وإعدادهم ندّاً في مصاف غول الوفاق ومواجهته !

اشتغلت لسنوات قليلة ماضية ( ماكينة ) غريبة تدير حرباً بلا هوادة على هاتين الجمعيتين ؛ بالحق أو بالباطل ، توارى أو ندر في هذه الحرب النقد المخلص وبرز التشويه والتدليس وتصفية حسابات شخصية وانتخابية . ثم تعالت نغمة اتهامهما – الجمعيتين – بالسيطرة على مفاصل الدولة قبل أن تكشف الأحداث أن مفاصل الدولة إنما كانت مخطوفة لآخرين غيرهم استطاعوا أو كادوا أن يشلّوا المرافق الحيوية والاقتصادية الهامة في البلد .

واشتغلت في الشارع السني أيضاً ( ماكينة ) غريبة أخرى تدعو للاستقلالية وأن يبقى المواطن بعيداً عن أي انتماء ، لاعلاقة له بمؤسسات وجمعيات المجتمع المدني  ،  وأن للانتماء سلبيات ونتائج سيئة ، ومن أجل نشر هذه الثقافة  تخصصت كتابات وتصريحات و محاضرات وندوات وبرامج كانت تشرح إلى حدّ ( التكلّف ) أو ( التعسّف ) في إظهار مساويء الانتماء والعمل تحت مظلة الجمعيات والوقوع تحت أسْر أفكارها أو مصالحها أو وفق أجندات خاصة بها لاتصلح لخدمة الوطن قبل أن تكشف الأحداث المؤسفة أيضاً ضمن مكتشفاتها وصدماتها الكثيرة أن معظم مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة كانت مختطفة لصالح الآخرين ( الغول ) وأن غالبها تشهد غياباً كبيراً للمكوّن الرئيسي في المجتمع ، وأنه بسبب هذا الغياب تم تجييرها – تلك المؤسسات – لأجل تنفيذ تلك الأحداث وتحقيق أجندتها ، وأن اتحادات ونقابات وجمعيات ليس لنا دور فيها ساهمت في العصيان والإضرابات والمسيرات وكادت أن تشلّ البلد ، بل إن أنشطة إعلامية وحقوقية ترسخت وتغوّلت من خلال تلك المؤسسات التي تغيبنا عنها تم استغلالها في الداخل والخارج أيما استغلال جعلتنا الآن – حقيقة – في موقف النادمين و( المتحسفين ) على انكفائنا وانعزالنا وابتعادنا عنها طيلة السنوات الماضية .

حتى التجمع الذي نشأ أثناء الأحداث المؤسفة ، بدأ قوياً وإطاراً جامعاً لأهل السنة والجماعة ثم جرى تفتيته وإضعافه بأيدي بعض أصحابه – للأسف الشديد – لتُنزع منه في نهاية المطاف ( أل ) التعريف ويصبح مجرّد تجمع وجمعية من الجمعيات بعد أن تأملناه بعد الأحداث وطالعنا فيه جمعية الجمعيات أو مشروع المشروعات ، فإذا به خطبة جمعة وبيانات وتجمع هنا أو هناك وأخشى أن أقول ( وفقط ) ! 

أما التجار ورجال الأعمال ؛ فقد تنبهوا في الجانب الآخر لأهمية استغلال ثرواتهم لصالح  ( تغوّلهم ) ، تزويج ، كفالة طلبة وابتعاثهم على نفقتهم لجامعات محلية وعالمية ( حتى السوربون ) ، بل وبناء بيوت ومنازل للمحتاجين . بينما تجارنا ؛ كما ترون وتسمعون ، يكنزون ولا يظهر منهم إلا الفتات ، وليس لديهم مشروع أو طموح في أبناء طائفتهم . وأكثر ما يكون هو – للأسف الشديد – إنفاق المال السياسي والرشاوى في مواسم الانتخابات ، كل أربع سنوات ، بحيث تجري عملية إغراق بعض المناطق بالمكيفات والثلاجات وما شابهها من شراء ذمم ورشاوي فاقدة للبركة على الراشي والمرتشي من أجل أن نوصل – بأيدينا وأصواتنا – من لايصلح لتمثيلنا! وذلك على خلاف ما يجري عند الطرف الآخر الذي تغوّل .

ختاماً وليس ختاماً ؛ نحن صنعنا بأنفسنا نوعاً من الولاء أو الموالاة قد لا تُرضي حتى الولاة والقادة أنفسهم ، أولياء الأمور في أمسّ الحاجة لمن يصدقهم القول عن أحوال المواطنين ومعيشتهم ، ولا يريدون – ماعلّمناهم عليه – حينما يزورون مناطق الناس ومجالسهم أن نقول لهم ( كل شيء تمام ) ! يحتاجون إلى من يرشدهم إلى مشاكل الناس وينصحهم ويطلعهم على حقيقة أوضاعهم ويُعرّفهم بأحوالهم لا أن تتحوّل الزيارات واللقاءات إلى مناسبات وبهرجة وزينة إعلامية ومسابقات خطابية وشعرية تضيع فيها أنّات الناس وحاجاتهم وآرائهم لحاضرهم ومستقبلهم .

صدقوني أن الصدق مع ولي الأمر هو قمة الإخلاص في الوطنية ، وهو أغلى هدية حبّ وولاء نقدّمها لقادتنا ، وأن أصل البلاء هو في النفاق والمجاملات التي نظنها من مستلزمات إثبات الولاء بينما هي غير ذلك  .

الآلام تطول ، ونحسب أن الشارع السني أفاقته صدمة الأحداث عن سباته ، ويستطيع أي مراقب أن يلحظ الآن حجم الحماس للتغيير عند هذا الشارع وتوثبه لاستعادة مكانته في الواجهة ، ولابد لهذا الشارع الآن أن يتخلّص من أسْر أو إطار العمل وفق ردود أفعال فيتجه إلى مشروع وعمل منهجي يلمّ أوراقه ويحفظه للحاضر ويعدّه للقادم من المستقبل . التفاؤل والآمال كبيرة لكن يبقى إن الكلام عن أكثرية أو أقلية يفقد جدواه طالما لايتم ربطه بالتنظيم والتأثير والإنجاز ومركز الفعل والمبادرة ومسك الزمام . أخيراً لا نلوم الرئيس الأمريكي أوباما أن ذكر الوفاق في خطابه ولكن نلوم أنفسنا أن جعلنا من الوفاق غولاً ..

أضف تعليق