راصد

حبس الصحفي

 يُحسب للأستاذ الفاضل أنور عبدالرحمن رئيس تحرير جريدة أخبار الخليج أنه يكاد أن يكون الشخصية الوحيدة تقريباً – سواء في مجال العمل العام أو من داخل الجسم الصحفي – التي كانت على مدار السنوات القليلة الماضية تقول بمعارضتها إلغاء عقوبة الحبس عن الصحفي ، وكان ينطلق آنذاك من كون الصحفي إنسان كغيره من البشر ، يخطيء ويُصيب ، وأفعاله لابد وأن يكون محاسباً عليها بالضبط كسائر الأعمال والمهن.

صحيح أن البعض كان يؤيد توجّه الأستاذ أنور ويرى منطقيته لكنهم كانت تنقصهم في الواقع جرأة التصريح والبوح بذلك التأييد خاصة وأن غالب الجسم الصحفي كان قد جعل آنذاك من مسألة إلغاء عقوبة حبس الصحفي مسألة محورية ، تكاد تكون قريبة من الموت أو الحياة في مناقشات مشروع قانون الصحافة الجديد وتعديلاته ، وربما خاف هذا البعض من أن توجّه له سهام النقد أو اتهامه بالضدّية للحريات أو غير ذلك من مخاوف آن للمخلصين أن يتخلّصوا منها ويترفعوا عنها بعد ما ألمّ بالوطن ويلات كان من أسبابها ضعف الردع .

ولعلّ من فضل المولى عز وجل وتقديره أن هذا القانون لم ير النور حتى الآن ، ولا يزال في طور النقاش والدراسة ، وأحسب أنه بعد الأحداث المؤسفة التي مرّت على وطننا العزيز قد تغيّرت المواقف أو هكذا يُفترض ، حيث أن النشر الإعلامي وبالأخص في جانبه الصحفي قد شابه مؤخراً بعض الاستغلال لضرب الوطن في وحدته وأمنه والإساءة إلى سمعته ومكتسباته على نحو فضائحي غير مسبوق ، ولا يمكن القبول أن يمرّ بلا عقاب ، أقصد العقاب الرادع الذي يحفظ للأمن هيبته وقبل ذلك يحفظ للصحافة نفسها مكانتها وقيمتها ورسالتها في المجتمع ، فتكون أداة بناء وليس معول هدم.

فمثلاً ليس من حق الصحفي – باسم الحرية – أن يلفق أخباره وتغطياته الصحفية ويفبركها ضد وطنه أو خدمة لتوجه طائفي أو انقلابي  من خلال استغلال النشر أو أن يمسّ الوحدة الوطنية ويضرب فيها أسافين تهدم ولاتصلح ، أو أن يكون ناشراً للتحريض والتأليب ، أو أن يتعرّض لأصول في معتقدات الناس ومذاهبهم ، وقد يتطاول على رموزهم الدينية والوطنية ثم حينما يُفتضح أمره ؛ يُكتفى بمجرّد غرامة – صغُرت أم كبُرت – لاتتناسب مع حجم خرابه ، ويريد أن يكون في منأى من الحساب والعقاب تحت ذريعة الحرية أو الشفافية أو ما شابهها من مصطلحات أصبح البعض يستخدمها ككلمات حق يُراد بها باطل !

 من الضروري هنا أن نفرّق بين الرأي الصحفي والخبر والمعلومات الصحفية ، فالرأي هو الذي يجب أن يتوجه له الدعم والكلام عن إلغاء عقوبة الحبس شريطة أن يتم هذا الرأي وفق نوع من الحرية المنضبطة بثوابت الدين والوطن . أما نشر المعلومات والأخبار فينبغي ألا يكون صاحبها محصّناً وخارج دائرة الحساب والعقاب ، ذي الردع الفعّال ، ففي بعض الأحيان تكون أخطاء الصحفي ومخالفاتـه في هذا الشق ( المعلومات والأخبار ) أكثر فداحة مما يرتكبه الناس العاديون من جرائم وجنايات خاصة إذا كان التلفيق والكذب والتدليس والتحريض فيه مع سبق الإصرار والتعمّد . ولذلك ليس صحيحاً المطالبة بأن يكون الصحفي خارج دائرة الحســاب أو العقاب ، ليس صحيحاً أن يُعطى الصـحفي امتيازاً من دون سائر المهن أو من دون حتى سائر الناس يتعلق بالعفو المسـبق عما قد يرتكبه من أخطاء ومخالفات وتجاوزات تحت مبررات الشفافية والحرية ، بل الصحفيين حالهم حال بقيـــة خلق الله ، منهم الصالحون والمخلصون والغيورون ( ونحسب أنهم كثيرون ) ومنهم غير ذلك ، ومنهم من لديه انتماءات ومقاصد خيَرة ( ونحسب أيضاً أنهم كثيرون )  ولكن منهم من لديه أجندات سيئة ، ومنهم من قد استغلّ مهنته في وفي ( …)  . وعلى العموم هم في النهاية يصيبون ويخطئون – كما هو حال كل البشر-  وأفعالهم لابد أن يكونوا مسؤولين عنها ومحاسبين عليها كما هو بالضبط حال بقية المهن والأعمال التي يشغلها خلق الله .

أضف تعليق