اعتاد عمودي الصحفي (راصد) – قبل توقفه- على مدار مايقارب السبعة عشرة عاماً،ومن ثم في مدوّنتي الخاصة ؛أن يرثي وينعي بعض الشخصيات بعد انتقالها إلى جوار ربّها،فيشيد بمآثرهم ويمدح إنجازهم ويعدّد مناقبهم ويثني على مقدار حبّهم وتواصلهم مع الناس وماشابه ذلك من طيب أثرٍ وذكرٍ حسن. وكان من آخر من كتبت عنهم؛ المغفور لها بإذن الله طبيبة العيون المشهورة الدكتوره هيفاء أحمد محمود رحمها الله بعنوان” أم أحمد ..بَكتْك عيون أنت طبيبتها”ذكرتُ فيه إنجازها وإخلاصها وتعلّق المرضى بها،وبيّنت جوانب في عملها لم يعرفها الناس عنها خاصة مساعدتها للفقراء وإعفائها للمعوزين من رسوم وتكاليف العلاج.ثم كتبت مقالاً آخر عن الراحل عيد حمود القحطاني رحمه الله،ذكرت فيه مقدارجدّيته والتزامه في عمله،سواء الرياضي أوالاجتماعي أوالدبلوماسي أوغيرها من المجالات التي أمضى حياته فيها خادماً لوطنه بكلّ إخلاصٍ وتفانٍ حتى أنّه يُذكر له عندما كان قنصلاً للبحرين في دولة الكويت الشقيقة إبّان الغزو العراقي لها،أنّه كان خلال تلك المحنة فارساً بلا جواد،حيث أشرف على إجلاء المواطنين البحرينيين من هناك وتأمين سلامتهم وعودتهم،وتحمّل في سبيل ذلك كلّ الأضرار والمخاطر المحدقة حينذاك، ورفض العودة إلى البحرين إلاّ بعد عودة آخر بحريني هناك،مسجّلاً بذلك درجة عالية من الإخلاص والتضحية التي أثارت اهتمام وإشادة عدد من القرّاء الذين كان من أبرز تعليقاتهم (لماذا لانذكر مثل هؤلاء الشخصيات إلاّ بعد مماتهم) و(لماذا لايحظى هؤلاء الآباء والأجداد بمن يذكر إنجازهم ويسجّل أو يوثّق سيرتهم قبل رحيلهم).
من هنا بالضبط؛ نشأت عندي فكرة (من ذاكرة الأحياء) .. حدّدت هدفها: التوثيق للشخصيات التي خدمت مملكتنا العزيزة وأمضت سني عمرها في العطاء وساهمت في بنائها ونهضتها.واستهدفت في هذه الفكرة –على الأخصّ- الآباء والأجداد لنأخذ منهم سيرتهم وإنجازهم قبل رحيلهم، بدلاً من الحديث عنهم والإشادة بهم بعد مماتهم.
وبالنظرإلى الأهمية المتزايدة للتأريخ الشفهي خاصة بعد اعتماد منظمة اليونسكو للتوثيق الشفهي كمصدرهام من مصادرالتأريخ،فضلاًعن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومدى تأثيرعالمها الافتراضي؛قرّرت أن تكون هذه المبادرة الوطنية عبارة عن قناة يوتيوب خاصة بها تحمل مسمّى (من ذاكرة الأحياء).
ورغم الصعوبات الكثيرة التي واجهتها خاصة مايتعلق بتغطية كلفتها المالية إلاّ إن هذه المبادرة قد انطلقت وبدأت نشر أولى حلقاتها مع إشراقة عام 2022م. وتجاوز الآن عدد المشتركين في قناة هذه المبادرة (3.700) مشترك حتى الآن ،يدعمها حساب انستغرام يتابعه أكثر من (7100) متابع وحساب توك توك يتابعه مايقارب (16000) متابع.
ولعلّ الأهم من كلّ تلك الأرقام؛هو إننا تمكّنا حتى الآن فيها من استضافة ونشر(60) شخصية من رجالات ونساء مملكتنا الغالية في مختلف المجالات،منهم وزراء وسفراء وأطباء ومعلمين وعلماء دين ومهندسين ورجال أعمال ومدراء بنوك ومحامين ورجالات قوة دفاع البحرين والأمن العام وفنانين ورياضيين وغيرهم ممّن وثّقنا سيرتهم وعددّنا إنجازهم وحفظنا عطائهم ونقلنا للأجيال أثرهم – والأهمّ والأجمل– أن ذلك كان على لسانهم وأثناء حياتهم،تقديراً ووفاء لجهدهم وإخلاصهم في خدمة وطنهم، مملكتنا الغالية.
سانحة:
أشكر جميع الذين تفاعلوا مع هذه المبادرة،وأغرقوني بجميل إشادتهم وكريم تشجيعهم نحو الاستمرار فيها مع طلبهم التسجيل مع الكثير من الشخصيات التي يقترحونها علي بصيغة (لحقوا عليهم قبل مايروحون).وآمل أن تحصل مبادرتنا الوطنية (من ذاكرة الأحياء) من يدعمها ويتبنّاها أو يرعاها حتى تستطيع المضي والاستمرار.