ستظل استقالات الوزراء صناعة أجنبية غير قابلة للاستيراد والاستفادة منها في دولنا العربية إلى أجل غير مسمى . ولن يكون لنا منها سوى تأملها بكل إعجاب واستغراب و( حسَف ) ثم رفع أكفّ الدعاء للمولى عز وجل نندب حالنا ونشكو قلّة حظّنا منها ونتضرّع إليه بأن يخرج في بلداننا بطلاً أو أبطالاً يتمكنون من كسر الاحتكار الأجنبي لهذه الصناعة المشرّفة ويجعلوا منها عندنا تصرفاً أخلاقياً وحضارياً والتزاماً أدبياً وأخلاقياً مقبولاً ومفترضاً في أحوال كثيرة للإخفاق والفشل وسوء النتائج ، نحتاج فيها ومعها إلى من يتقدّم الصفوف ويتجرأ على قصّ شريط الافتتاح ، فيعتزلوا مواقعهم ويتخلّوا عن مناصبهم بسبب فضائح لا يصلح معها بقاؤهم أو لأخطاء وجب عليهم تحمّل نتائجها أو لفشل سياسات واستراتيجيات ظلوا عليها سنوات وسنوات قبل أن يكتشفوا عوراتها وخسائرها أو لعدم تنفيذهم مشروعات ملؤوا الصحف ووسائل الإعلام تصريحات و( طنطنات ) عنها بقيت حبيسة الأحبار والأوراق التي كُتبت عليها .
يو ميونج هوان وزير خارجية كوريا الجنوبية ، أمضى في العمل السياسي لخدمة بلاده ما يقارب الأربعة عقود ، وهو أقدم وزير في الحكومة الحالية ، وهو مهندس سياستها الخارجية في ظل أوضاع وعلاقات ليست بالسهلة يمور بها المجتمع الدولي حول بلاده التي تعمل على بناء علاقات متينة مع قطب النظام العالمي الجديد . ورغم كل ذلك الإنجاز والمكانة والتاريخ ؛ قدّم يو ميونج هوان استقالته طواعية ، ومتحمّلاً لمسؤوليته واعتذر للشعب الكوري بكل شجاعة بعدما تسرّبت أنباء عن احتمال محاباة ابنته البالغة من العمر (35 عاماً) واختيارها من بين (6) متقدمين لشغل وظيفة متوسطة المستوى بوزارة الخارجية .
الجهة الحكومية التي تحدثت عن هذا الأمر ، وهي وزارة الإدارة العامة والأمن الكورية لم تجزم بحصول هذه المحسوبية ، وذكرت أن الوزير يو ميونج هوان لم يتدخل مباشرة لتوظيف ابنته ، إنما هناك احتمال أن البعض قد زاد درجة امتحانها لكي تتفوق على الخمسة المتقدمين الآخرين . أي أن ابنة الوزير المستقيل قد تقدمت كغيرها من الناس لشغل الوظيفة ، ودخلت امتحان القبول لها ، وجهة الرقابة شكّت – مجرّد شك – أنه تم قبولها للوظيفة المطلوبة بسبب قرابتها من الوزير ، ابنته !
أعرف أن مثل هذه الحادثة ، وجرأة هذا الوزير ، يصعب تصديقها ، وهي أقرب إلى الخيال في دولنا العربية لولا أنها واقعة حقيقية تستحق معها كوريا أن تكون نموذجاً يُحتذى بها للتنمية والتطوّر ما دام أن هذه المبدئيات والسلوكيات تحكم علاقاتهم ومسؤولياتهم ، لايحيدون عنها حتى لو كان ثمنها التخلّي عن مناصبهم – مهما كبًرت – مثلما فعل يو ميونج هوان وزير خارجية كوريا الجنوبية.