راصد

” ما أمكن حصره منها “

لاتختلف هذا العام ( الزفّة ) السنوية للإعلان عن تقرير ديوان الرقابة المالية  ونشر  التجاوزات والمخالفات والانتهاكات للمال العام عن مثيلاتها في السنوات السابقة ، فخلال يومين متتاليين تقريباً بالأسبوع الماضي دبّجت جرائدنا المحلية صفحاتها بما استطاعت تلخيصه والتركيز عليه وفق ما تسمح به عدد الصفحات التي لم تعد ميزانيات غالب الجرائد قادرة على زيادتها وأشبعتها تعليقاً ونياحاً طوال الأسبوع الحالي وحتى لطماً ثم سيبدأ  الهدوء تدريجياً باعتبار أن الشعور بالمصيبة يأتي في البداية ثم يخفّ وقعها كلّما مرّ الزمان عليها .

وهذا بالضبط  هو مصائر التقارير السابقة  ، وبالطبع ليس من المستبعد  أن تتغير هذه العادة في احتفالية أو ( زفّة ) هذا العام رغم احتوائها على الكثير الكثير من المخالفات المتجددة أو النوعية والمتميزة بحيث أنه بالفعل يُعد أضخم تقرير أصدره ديوان الرقابة المالية في تاريخه في حين أنه يُفترض بعد سبع سنوات من ممارسته لأعماله وبسط رقابته على أعمال الوزارات والمؤسسات الخاضعة لرقابته أن يجري العكس ، أي أن تندر أو على الأقل تنخفض هذه المخالفات ، أو هكذا يُفترض لولا أن واقع التقارير الصادرة سنوياً هو إلى الزيادة وليس النقصان ، وذلك بخلاف منطق الأشياء !

من الأمور اللافتة في تقرير ديوان الرقابة لهذا العام ، هو ورود عبارة ” ما أمكن حصره منها ” في أكثر من موقع ، منها بحسب قراءتي المتواضعة ، عدم قيام مكتب وزير الدولة بتسجيل مصروفات متكررة بلغ ما ” أ امكن حصره منها ” (47,681) دينارا تخص عام 2009 !

وجاء فيما يخصّ وزارة الثقافة والإعلام أيضاً أنها قامت بتنظيم مهرجان الاحتفال بالعيد الوطني يوم 17 ديسمبر 2009، وقد بلغ ” ما أمكن حصره ” من المبالغ المصروفة على المهرجان( 3,3) ملايين دينار.

من يقرأ هذه العبارة ” ما أمكن حصره ” يفهم أن مقصودها هو  ما استطاع ديوان الرقابة التعرّف عليه والوصول إليه من مصروفات مكتب سعادة وزير الدولة والمبالغ المصروفة على المهرجان المذكور فقط وأن هنالك مصروفات أخرى لم يستطع الديوان حصرها .  بمعنى أن مبالغ بهذه الضخامة ، وتُعدّ في خانة الملايين – بعد جمع ماتم التمكن منه – لا يتم تسجيلها أو ليس لها بنود صرف واضحة ومحددة ومبوّبة ومسجّلة ومستوفاة بياناتها وما شابهها من أنظمة وأمور محاسبية لاتغفل عنها حتى المحلات والبرّادات الصغيرة ولايمكن تركها ( للنهش منها ) بلا حساب ولا سجلاّت  بحيث أن ديوان الرقابة لم يتمكن من جمعها ، وبذل محاولات في ذلك قبل أن يقرّر – إبراء لذمّته وأمانته ومسؤوليته – أن يكتب في تقريره هذا ” ما أمكن حصره ” !!

أضف تعليق