أصبحت السيدة ديلما روسيف البالغة من العمر (63) عاماً اعتباراً من يوم السبت الماضي أول امرأة تشغل منصب رئيس البرازيل في تاريخ البلاد . وهي ابنة شاعر ورجل أعمال من مواليد بلغاريا ، ومعلمة برازيلية ، كما تلقت تدريبات مسلحة شاقة على حرب العصابات تلى ذلك انضمامها إلى قيادة جبهة التحرر الوطني مما جذب انتباه الشرطة السياسية إليها ، واختفت عن الأنظار عام 1969 ، كما اعتقلت وتعرضت للتعذيب والاحتجاز لعامين . حصلت على شهادة في الاقتصاد عام 1977 من جامعة ريو جراند دو سول ، ثم عادت إلى عالم السياسة ولكن هذه المرة بالانضمام لحزب العمال الديمقراطي . وبفضل مهاراتها السياسية، تمكنت من الصعود للعديد من المناصب الوزارية خلال التسعينيات.
رئيسة البرازيل الجديدة السيدة ديلما روسيف جاءت خلفاً للرئيس إناسيو لولا دا سيلف الذي شغل هذا المنصب منذ العام 2002م وحقق نجاحات تنموية واقتصادية غير مسبوقة في التاريخ البرازيلي ، حتى أن الرئيسة الجديدة قالت عنه في خطابها الرئاسي “مهمة خلافته صعبة ومليئة بالتحديات. لكنني سأعرف كيف أحافظ على إرثه، وسأعرف كيف أعزز عمله والبناء عليه “.
الرئيس البرازيلي السابق إناسيو لولا دا سيلف حظي بقبول وشعبية كبيرة تجاوزت في الاستفتاءات نسبة الـ (85%) بسبب إنجازاته والمكانة المرموقة التي وضع فيها البرازيل على الساحة العالمية . ولو دخل الانتخابات الرئاسية فسوف يكتسحها ( بالراحة ) لكنه امتثل للدستور البرازيلي الذي لايسمح له بخوض الانتخابات لأكثر من فترتين متتاليتين وقرّر الانسحاب من السباق الانتخابي الرئاسي
وودّع الجماهير في آخر خطاب له يوجهه بصفته رئيساً للبرازيل ، أجهش فيه بالبكاء عدة مرات ، منها حينما استحضر ذكريات نشأته وهو طفل فقير في إحدى المدن الريفية القريبة من مدينة جارانهونس في برنامبوكو إلى أن وصل لرئاسة ثامن أكبر قوة اقتصادية في العالم . ثم بكى دا سيلفا مجددا عندما عبّر شاعر من سكان المنطقة عن عرفانه بجميل “رئيس الأراضي البرازيلية الذي حظي بأكبر قدر من المحبة ” وأخيرا، ذرف دا سيلفا دموعه حينما قال : ” أنا أغادر الرئاسة . لكن لا تعتقدوا أنكم ستتخلصون مني لأنني سأكون في شوارع هذا البلد للمساعدة في حل مشكلات البرازيل” .
كان يمكن للرئيس دا سيلفا من أجل البقاء في كرسي الرئاسة أن ينتهك الدستور أو يغيّره أو( يركب ) على ظهر دبابة ويستنفر جيشه وينكّل بمعارضيه ويُغيّب منافسيه وراء السجون أو يتجرّأ على كل ممنوع ومحظور حتى لو كان ثمنه دماء وأرواح تعبّد طريقه للقصر الرئاسي كما يفعل الزعماء والقادة في بلداننا العربية والإسلامية ؛ لكنّه آثر أن يحافظ على احترام ومحبة شعبه له وأن يكون حامياً ومنفذاً للدستور ولو على حساب الزعامة وقيادة البلد . هكذا تتقدّم الأمم وتحتل مراكز الصدارة في الاقتصاد والتنمية وتتبوأ ما تستحقّه من مكانة في الساحة العالمية .