من أغرب الأخبار المحلية التي كررت قراءتها في الآونة الأخيرة في محاولة منّي لفهمها أو استيعابها هو ما نشرته صحافتنا المحلية يوم الأربعاء الماضي تحت عنوان ” بلدي المحرق يرفع الحظر عن البناء الاستثماري والتجاري بالمناطق القديمة بالمحرق ” وجاء فيه أن اللجنة الفنية بمجلس بلدي المحرق وافقت على رفع هذا الحظر بعد أن كان المجلس البلدي في دورته الثانية قرر وقف بناء العمارات في المناطق السكنية المكتظة وذلك لتفاقم أزمة مواقف السيارات والتداخل الاجتماعي غير المنظم من قبل العمالة الوافدة وتزايد المشكلات الأخلاقية والفنية “
ليس لدي شكّ أن أهالي المحرق الذين قرأوا هذا الخبر سيُصابون – مثلي – بالصدمة لسببين : أولهما : أنهم لايعرفون أو لا يتوقعون – مثلي أيضاً – أن هنالك في الأصل حظر على العمارات الاستثمارية والتجارية في مناطق المحرق القديمة حتى يتم رفعه !! فواقع الحال لاينبيء بأن هنالك شيء ممنوع أو محظور في تلك المناطق المحرقية التي كانت في يوم من الأيام تعبّر عن عراقة وأصالة وريادة ، وكانت محل حبّ وعشق قبل أن يجير الزمان عليها ويطالها الإهمال والنسيان وسوء التخطيط فيظعن أهاليها خارجها وتشهد أحياءها وفرجانها خروج العشرات من المواطنين والعائلات الذين ما أن تُذكر المحرّق الآن أمامهم حتى تتفطّر قلوبهم حناناً وشغفاً بها ، وقد تنزل دموع بعضهم من مآقيها حينما يتذكرون دُورهم ومنازلهم أو يرونها تحولت إلى خرائب وعنابر للعمّال الآسيويين واتخذت بعض فرجانها ودواعيسها تسميات هندية أو باكستانية بعد أن كانت ملفى الناس ومحالهم وملاذ تجمعاتهم ونواخذتهم ، أو يشاهدون شاهق العمارات قد أطلّت سطوحها على بيوتات الذين لازالوا صامدين على الحب والدفء والحميمية التي نشأت بينهم وبين المحرّق فرفضوا الانتقال منها فصاروا محبوسين داخل غرفهم مكشوفين في أحواشهم لايستطيعون حتى فتح نوافذهم ، أو يرون البقالات والبرادات والكراجات و(الكافتيريات ) ومحال المشويات و(البوتيكات ) قد جاورت منازلهم وسرقت مواقف سياراتهم وحرمتهم من السعة والراحة . أو يرون أبراج الاتصالات قد غزت هذه المناطق وسدّت عليهم رحابة أفقهم وفضائهم وأفزعتهم الأضرار المحتملة لها خاصة الإصابة بمرض السرطان . وبالتالي يكون من غرائب الأشياء أن كل هذا قد حصل واستمر في ظل وجود ما قرأناه وأسموه ( حظراً ) !
وثاني أسباب الصدمة : هو قرار اللجنة الفنية برفع الحظر الذي لم يشعر المحرقيون – أصلاً – بوجوده من دون أن تتغير أسباب إقراره من المجلس البلدي في دورته الثانية ، وهي الأسباب التي استعرضها الخبر الغريب وحصرها في تفاقم أزمة مواقف السيارات والتداخل الاجتماعي غير المنظم من قبل العمالة الوافدة وتزايد المشكلات الأخلاقية والفنية ، حيث يُفترض أن هذا الحظر ( المزعوم ) لايُرفع إلاّ بزوال أسبابه أو معالجة دواعيه وانتفائها . وأحسب أن ذلك لم يحدث ، بل يعرف الجميع أن هذه الأسباب والدواعي إنما هي من سيء إلى أسوأ في مناطق المحرق القديمة ، وهي إلى زيادة وليس نقصان حتى يُصار إلى أن تقرر اللجنة الفنية بمجلس بلدي المحرق رفع الحظر .. إذا افترضنا وجوده في الأساس .