راصد

العيال كبرت

يؤكد أكثر المراقبين أن الانتفاضة الشعبية التي جرت فصولها في تونس وتتكرر مشاهدها في مصر أنها جاءت بصورة عفوية ، لادخل للنخب والقوى السياسية في بدء انطلاقتها ، وإن أكثر ما يميزها هو اعتمادها في تفجرها على مجموعات كبيرة من ” العيال ” الذين ظلّت السلطات ردحاً من الزمان تظن أنهم لن يكبروا ، ولن يشعروا بما يدور حولهم ، فأهملتهم وأسقطتهم من حساباتها ، فلم تعد تلبية احتياجاتهم في وارد اهتمام الحكومات ، ولم يكن توفير متطلبات العيش الكريم لهم من تعليم وعمل وسكن ضمن أولويات خططها واستراتيجياتها . ثم فرضت عليهم طوقاً من التعتيم لتطلعاتهم وزوّرت إرادتهم واختياراتهم واستبدّت بحرياتهم وعبثت بمدّخراتهم ، وحاولت جاهدة إلهائهم بالرياضة والغناء والرقص وعملت على تغريبهم عن قيمهم وعاداتهم ، وإشغالهم بالبطالة والفقر والعوز وأنواع عدّة من صور البحث عن لقمة العيش حتى استقرّ ( أو كاد ) لدى أنظمة الحكم أن هؤلاء ( العيال ) لا دخل لهم في السياسة ، ولا خوف من خداعهم والضحك عليهم والتقصير في حقهم وامتهان كرامتهم وانتهاك حرياتهم والتعدّي على أموالهم ومدّخراتهم ، فهم مجرّد ( عيال ) وسيبقون كذلك .

وهذا بالضبط مثلما فعل رمضان السكّري مع أبنائه سلطان وكمال وعاطف وسحر في المسرحية الكوميدية المصرية المعروفة ” العيال كبرت ” التي عُرضت في عام 1979م ونالت شهرة واسعة يستمتع المشاهدون على مستوى العالم العربي بمرحها وفكاهتها كلما سنحت الفرصة لتكرار رؤية فصولها ومشاهدها . حيث أهمل رمضان –  والدهم وراعيهم وحاميهم – تربيتهم واستهتر بمستقبلهم ولم يلتفت لاحتياجاتهم الحقيقية حتى انغمسوا في حياة اللهو والتسكّع ، فابنته سحر ( رقاصة ) وابنه الكبير سلطان بين رسوب دراسي وانحلال أخلاقي بينما غَرِق كمال وعاطف في قصص حب وهمية وخادعة .

وكان كلّ ذلك يحدث بينما رمضان ( والدهم ) منهمك في توطيد علاقاته مع أصدقائه ومشغول حتى النخاع في ملذاته وسهراته وسفراته وخياناته مع سكرتيرته قبل أن يكتشف أبناءه فساده وسوء رعايته لهم وتقصيره في حقهم ورغبته في الهروب مع عشيقته وتركهم في حاضر بائس ومستقبل مظلم .

تصدّى الأبناء لوالدهم بطرق لا تخلو من المرح الذي يستلزمه واقع تلك المسرحية التي يجدر بنا الآن استدعاء مضمونها لنسقطه على واقع انتفاضة ( العيال ) الذين أخطأت كثير من الأنظمة العربية التعامل معهم أو لم تدرك توصيف حالتهم ولم تتوقع أن يكون الإصلاح والتغيير أو حلول ساعة الفهم الحقيقي أو نهاية الظلم والاستبداد على يد هؤلاء ( العيال ) .

أضف تعليق