نافذة الجمعة

” ما علِمْتُ لكم من إلهٍ غيري “

يقول ” بول كينيدي ” وهو مدير مركز الدراسات الأمنية الدولية بجامعة بيل، وأستاذ التاريخ فيها وأحد أشهر المؤرخين الأمريكان : ” إنَّ التاريخ ـ وبالدقة ذاتها ـ لا يكرّر أبداً نفسه ، ولكنه غالباً ما يوجّه صفعاته ، إلى أولئك الذين يتجاهلونه كلياً “.

إن ما حدث في تونس وتتكرّر مجرياته اليوم في مصر وربما تتواصل مشاهداته عند قادم الأيام في عدد من الدول العربية إنما هي صفعة من صفعات التاريخ التي تجاهلها القادة والحكّام العرب حينما قفزوا على سنن الكون ومجريات القدر واتخذوا التباهي والغرور والتكبّر صفة غلبت على سائر ممارساتهم وتعاملوا مع شعوبهم من منطق ” ما علِمْتُ لكم من إلهٍ غيري “.

وجلسوا على كراسي الحكم حيناً من الدهر حتى ظنوا بأنهم مخلّدين عليها ، لاتطالهم سنّة الله في خلقه من رحيل وفناء حتى اضطر رئيس الوزراء التركي السيد طيب رجب أردوغان في نصيحته المؤثرة للرئيس حسني مبارك مؤخراً أن يذكّره بقوله ” كلنا فانون ، كلنا غير مخلّدين “.

ثم تجاسر القابعون على كراسي الحكم ، الظانّين بخلودهم فيها ، على الدساتير والقوانين ففصّلوها بما يضمن بقاء ولايتهم مدى الحياة ، بل وأن تُورّث لأبنائهم من بعدهم استناداً إلى منطقهم ، منطق الجبابرة والفراعنة ” ما علِمْتُ لكم من إلهٍ غيري “. وعندما جنحوا للديمقراطية اصطنعوا الديمقراطية المضمونة التي لاتنقص من سلطانهم ولاتمسّ سطوتهم ولا تؤثر في كبريائهم وتفرّدهم وبقائهم على سدّة الحكم . وبالتالي أخضعوا شعوبهم  بالحديد والنار ، وعاثوا في مقدّرات بلدانهم ومدخراتها وثرواتها بالهدر والفساد والانتهاك دونما حسيب أو رقيب .

وظلّوا على هذا المنوال والاعتقاد بالخلود ، عقوداً وعقوداً بينما أنواع شتى من الفشل تتضاعف ، منها السياسي والاقتصادي والمعيشي والقيمي ، وتتراجع في ذات الحين النجاحات وتسوء الأوضاع وتتدنّى المستويات المعيشية وتتضخم نسب البطالة ويزداد السلب والنهب ، ومع ذلك هم باقون ، باقون لايتزحزون عن كراسيهم قيْد أنملة ولا يفسحون المجال لغيرهم مثلما يحدث في بقية دول العالم ( المتحضّر ) من استقالات كريمة أو انتخابات نزيهة أو ولايات رئاسية محددة يجري بمقتضاها ووفقها تبديل الزعامات والقيادات محفوظة لهم مكانتهم ومحفورة في ذاكرة شعوبهم مواقفهم وإنجازاتهم على عكس الأشاوس من قادة الدول العربية الذين لا يتركون كراسيهم إلاّ عند وفاتهم  أو حينما تثور شعوبهم عليهم وتطردهم أو تحاكمهم وتنتقم منهم لعزّتها وكرامتها المهدورة تحت حكم ” ما علِمْتُ لكم من إلهٍ غيري “.

أضف تعليق