نافذة الجمعة

” زريعتنا ” غضة

كان آباؤنا وأجدادنا يرددون في أمثالهم وحكمهم الشعبية  ” زريعتكم  غضة ، داروا عليها ، ليشتدّ عودها وتجنوا خيرها ” حيث يرمون من ذلك أن يتحلّى المخاطب بالتأني وعدم استعجال قطف ثمار ما يزرعه حتى لا يفسد حصاده الذي تعب من أجله وبذل من الجهد والمال ما يستحق أن يجني من زرعه أجود الثمار .

ثم مضى هذا المثل نصيحة بالغة لا يعرف قيمتها إلا الكبار والحكماء الذين يستطيعون ضبط الميزان وتعديل البوصلة بين النقص والزيادة أو بين الحماس والتأدة ، فلا يطغى شيء على شيء . وذلك لما للرفق والأناة من نتائج غالباً ما تكون باهرة في شتى مناحي حياتنا يصعب في العادة تحقيقها من غير اللجوء إليهما . فهذا الأب الذي يتأنى مع أبنائه ويفيض عليهم من رفقه بهم ما يعزز سويّة أطباعهم ونبل أخلاقهم على خلاف ما قد يغرسه الأب الحانق أو الغاضب في فلذات أكباده . وكذلك المعلّم حينما يرفق مع تلاميذه ويصبر على جهلهم وتأخر فهمهم وصعوبة استيعابهم ويتابع تدريسهم بكل نشاط وحيوية دونما ملل أو كلل حتى يفرح فيما بعد بنجابتهم وتميزهم كحصاد يلقاه بالضبط كما الفلاّح الذي يحرث أرضه بكل عناية ثم يضع بذور زراعته بمنتهى الرفق ثم يغطيها ويحفظها برعاية تامة ، وبعد ذلك يرويها ويصبر على تقلبات الأجواء عليها باختلاف فصولها من أمطار أو برودة أو حرارة وينتظر نموها حتى تأتيه بأفضل الثمرات .

و” زريعتنا ” في البحرين هي ما توافقنا عليها جميعاً (98.4%) قبل عشر سنوات ووضعنا سوياّ بذرتها لتدشين عهد جديد نقل الوطن والمواطنين إلى حقبة – ربما – لم تكن مسبوقة في تاريخ البحرين الحديث من أجواء انفتاح وحريات وشفافية وإجراءات إصلاح وتحديث للنظام السياسي من مؤسسات دستورية وقوى مجتمع مدني لا يستطيع أي منصف – مهما اختلف أو اتفق معنا – أن ينكر مقدار النجاح والفاعلية التي تحققت بفضل تلك ” الزريعة ” التي أطلقنا عليها ميثاق العمل الوطني حتى أنها رفعت من رصيد البحرين عالياً في شتى المحافل الدولية ، ولم تترك لأحد فرصة أن يشكك في صدق التوجهات الرشيدة لقيادتنا الحكيمة والتزامها بمسايرة ركب الإنجازات الحضارية وزيادة مكتسبات البحرين التي لابد من أن نتذكر بكل الفخر والمسؤولية واجب رعايتها والرفق بها حتى يمكن تعظيمها والاستمرار في جني ثمارها بدلاً من حرق محاصيلها وتفويت حصادها .

أضف تعليق