نافذة الجمعة

قلـق الجـزّار الأمريكي !

تموج مختلف التصريحات الصادرة من الساسة الأمريكان والأوروبيين بالصراخ والبكاء هذه الأيام على الأحداث في عدد من بلدان العالم العربي ، تارة تبكي على حقوق الإنسان في تونس ، وتارة تتحسّر على ضحايا الاحتجاجات في مصر ، وتارة تطالب السلطات في البحرين بضبط النفس ، وأخرى تستنكر الاستخدام المفرط للقوّة ضد المتظاهرين في ليبيا ، ومثلها بنبذ العنف في اليمن ، وهكذا لا يمرّ يوم أو يومين حتى تخرج علينا هذه الدول بلباس الحمْل الوديع الذي تقلقه مسألة سقوط الضحايا ويتفطّر حزناً وأرقاً على الدماء التي تسيل أو الأرواح التي تُزهق .

ويمارس الأمريكان والغرب هذا الدور بلا خجل أو حياء يستلزمه منطق الأشياء والتاريخ وذاكرة الشعوب العربية والإسلامية عن جلّادها وجزّارها الحقيقي ، الذي يغتصب بلدانها و( يعربد ) فيها ويعيث بمقدّراتها وشعوبها قتلاً ودماراً واحتلالاً ونهباً واستنزافاً بحيث أن عيوننا أصبحت لا تراقب في العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال وغيرها من بلداننا إلاَ حركة الموتى وفواجع الأيتام ومآسي الثكلى التي تصنعها وتخلّفها آلة الفتك والدمار الأمريكية والغربية ، وآذاننا لا يدق طبلاتها إلا قعقعة سلاح ( الكابوي ) الأمريكي ودوي آلاته من طائرات وبوارج وصواريخ تدكّ حتى الخرائب والكهوف وتبيد قرى بأكملها وتدفن الناس وهم أحياء تحت أنقاض بنيانهم وبيوتهم من دون أن ترفّ لهم عين أو ينهض فيهم أي إحساس بالرحمة أو القلق أو ما شابهها من مصطلحات أمريكية وغربية يظهرون بها علينا هذه الأيام حول الدماء والقتلى ويدّعون زوراً وبهتاناً خوفهم أو حزنهم عليها بينما تغصّ ذاكرة الشعوب والأحداث بمذابحهم ومخازيهم وجرائمهم التي يرتكبونها ويتجرأون على فعلها بدم بارد حتى قال قائلهم – مثلاً – وهو “جيمس ماتيس” قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي في محاضرة ألقاها في مدينة سان دييجو الأمريكية عام 2005 متكلما عن الأفغان : ” حينما تذهب إلى أفغانستان وتجد أناسا يصفعون النساء لأنهن لا يرتدين الحجاب، تجد أن إطلاق النار على هؤلاء الرجال متعة رائعة ، سأقاتل مع جنودي هناك ، لأن قتال هؤلاء في الحقيقة أمر مسلّ للغاية ، من الممتع أن تقتل بعض الناس، أنا أحب القتال ” .

هل نسى الناطق الأمريكي وساستها ومسؤوليها جرائم الحرب وصور الأشلاء والدمار وضحاياهم من المدنيين ، أطفالاً ونساء ، في أفغانستان والعراق أم تناسوا سجن بوغريب وما سُجّل فيه من انحطاط وظلم وانتهاك لحرية وحقوق الإنسان التي تبشر بها أمريكا العالم وتتستر بحمايتها وصونها ؟ّ! وهل تتصوّر الآلة الإعلامية والدبلوماسية الأمريكية والغربية أن الشعوب العربية والإسلامية – التي تدّعي اليوم زوراً وبهتاناً قلقها على أرواحها ودمائها وحرياتها وحقوقها –  ستنسى لهم بشاعتهم وغدرهم والحال السيئة لإخواننا وأبنائنا القابعين في الزنازين الخرســاء في سجون غوانتنامو  بعد وضعهم في زنازين وظروف تأنف منها حتى الحيوانات ، في واحدة من أقوى الدلالات على سقوط قناع حقوق الإنســـان ومواثيقه ، بحيث صار عند هؤلاء المسجونين الموت لديهم كالحياة ، والليل كما النهار ، والنور لايختلف عن الظلام ، وهم بلا محاكمات ولا أدلة على اتهامات على تورطهم ومن ثم محاكمتهم وفق ما تقتضيه الأنظمة والشرعية الدولية وقبلها منطق العدالة والإنسانية والحرية التي يتم التشدق بها علينا هذه الأيام . وقديماً قال الشاعر أبو الأسود الدؤلي :

يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السّقام وذي الضنى كيما يصحّ به و أنت سقيم
و أراك تصلح بالرشاد عقولنا نصحا وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لا تنه عن خلق و تأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم

أضف تعليق