يُقال : إذا أردت أن تختبر مصداقية فرد أو رمز أو أي جهة فما عليك إلاّ أن تختار مبدأ معيناً وتراقب مدى تطبيقه والصمود عليه في عدة مواقف وقضايا . فكثيراً ما كانت – مثلاً – تحدث أمور تخرج لأجلها مسيرات وتصدر بسببها بيانات وتُنظّم عنها اعتصامات وتتضامن لها جمعيات ولجان حقوق الإنسان ولجان شفافية وحريات ويتسابق لأجلها خطباء ومحامون وتتشكل هيئات وفرق للدفاع عنها و… إلخ. ثم أمام أمور معينة أخرى شبيهة بتلك ولا تختلف عنها ؛ تمرّ بلا فزعات مماثلة ويكون ملاذها الصمت المريع الذي غالباً لا يُفسّـر تناقضه إلاّ بانتحار هذه المصداقية وعدم ثبوت بوصلتها على مبدأ معين لاتحيد عنه .
الأزمة التي تمرّ بها بلادي العزيزة أسقطت أقنعة وكشفت أستار وعرّت مصداقية الكثيرين بحيث لو أردنا الكتابة عنها لما استطعنا حصرها ، لكن ؛ لابأس من استعراض شيء من أمثلتها :
– ليس سرّاً مقدار التدخل الإيراني فيما يجري في العراق ، ومقدار المساعدة الإيرانية لنجاح الغزو والاجتياح الأمريكي لأراضيه حتى قال قائلهم آنذاك من مؤسسة الرئاسة الإيرانية ( مفتخراً ) لولا المساعدة الإيرانية لما تمكنت القوات الأمريكية من الدخول إلى العراق وأفغانستان. وحصل ذلك بالرغم من أنه لا توجد أي اتفاقيات أمنية أو دفاعية بين إيران وأمريكا ، ولا بين إيران والعراق كما هو الحال بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية . وبالتالي من يستنكر المساعدة الخليجية للبحرين كان عليه من الناحية المبدئية أن يرفض التدخل الإيراني في العراق وكذلك المساعدات الإيرانية للقوات الأمريكية في غزوها للعراق وأفغانستان !
– منذ حوالي عام واحد ، حينما قامت دولة قطر الشقيقة بممارسة حقها السيادي وقبضت على عدد من البحرينيين في مياهها الإقليمية وصادرت سفنهم ، ارتفعت أصوات عندنا تطالب بإطلاق سراحهم ونادت بفتح هذه المياه للبحرينيين انطلاقاً من الوحدة الخليجية وما يربط شعوبه من علاقات وطيدة وأخوة مميزة ومصير مشترك وما شابهها من روابط نرى اليوم للأسف بعد دخول القوات الخليجية ، ومنها القطرية – لمساعدة البحرين في حفظ أمنها واستقرارها – من يقول بخلاف ذلك ، أي بخلاف ما كان يردده قبل عام تقريباً عن وحدة دول وشعوب المنطقة وعلاقاتها واتفاقياتها !
– يرفض البعض حالياً المشاركة في أي برنامج في تلفزيون البحرين ويمتنع عن الإدلاء بأي تعليق فيه ، بحجة أنه غير حيادي ، ويطلقون عليه تلفزيون العين الواحدة ويتهمونه بتأجيج الطائفية . لكن في الوقت نفسه لا يمانع هذا البعض من أن يشارك ويعلّق في قنوات أخرى معروفة توجهاتها وأغراضها ومواقفها ، وليس لها إلاّ عين واحدة أيضاً ، مثل قناة العالم . فلماذا نمتنع عن قناتنا الفضائية بسبب عينها الواحدة – مثلما يقولون – ولا نطبق ذات المنع أيضاً على القنوات المعروفة بعينها الواحدة ؟!
أنباء جميلة :
تتوارد بعض الأخبار عن قيام شخصيات عاقلة وحكيمة من أبناء الطائفتين السنية والشيعية في المحرق بجهود كبيرة لتهدئة التوتر في مناطقهم وتأمين السلامة للمواطنين والمقيمين في ظل هذه الأوضاع ، وبالتالي تفويت الفرصة على من يريد المزيد من صبّ الزيت على النار . نتمنى من كل قلوبنا نجاح تلك المساعي الكريمة والنبيلة وأن تعمّ باقي المناطق ، فما عاد المكان والزمان يحتملان غير ذلك .
سانحة
اللهم إنا نبرأ إليك من حولنا وقوتنا ونلجأ إلى حولك وقوتك. اللهم لم نعد نثق في حكمة “الحكماء”، فاكتب لنا بحكمتك فرجاً مما نحن فيه.