ليس غريباً أن يحظى معاليعبدالرحمن بن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بكل هذا التقدير والإشادة ، فيجري منحه من قبل قادة دول المجلس أعلى الأوسمة فيها بمناسبة انتهاء فترة عمله كأمين عام لهذه المنظومة الخليجية المباركة بعد أن أمضى على رأس أمانتها العامة تسع سنوات تنتهي في 31 مارس الحالي .
وقد مرّت بمنطقة الخليج العربي خلال هذه التسع السنوات أزمات ومشكلات كبرى يُحسب للعطية أنه قد تمكن من إدارتها كملفات وقضايا غاية في الأهمية والحساسية بكل نجاح ، وما من مشروع أو إنجاز سياسي أو اقتصادي أو ما شابهه ، يدفع بمسيرة المصير المشترك ويعزّز التلاحم والوحدة الخليجية إلاّ كان للعطية بصمات واضحة في المضي به والحرص على تحقيقه على أرض الواقع .
وكان لعبدالرحمن العطية مبادرات مشرّفة ومواقف مبدئية وقويّة لا تعبّر فقط عن الموقف الخليجي تجاه المتغيرات والظروف والحوادث الإقليمية والدولية وإنما تنم عن إخلاص وحسّ وطني أصيل وانتماء خليجي عريق ، نابع كلّه من طيب معادن العوائل القطرية وسلامة فطرتها.
وقد رصدت في عمودي عام 2009م موقفاً جريئاً للعطية إبان ردّه على التدخلات والتهديدات الإيرانية للبحرين سنظلّ نذكره له دائماً مع سائر مواقفه التي نتشرّف بها . وكان ذلك حينما تحدث ناطق نوري المستشار في مكتب مرشد الثورة الإيرانية عن استقلال البحرين وسيادتها فردّ عليه العطية كأول مسؤول وأوّل رد ، في ذات يوم تصريح نوري ، حيث قال له العطية ” يبدو أن الساسة الإيرانيون أمثال نوري ، مازالوا يعيشون خارج التاريخ ومسكونين بأحلام التوسع وادعاء السيادة على أراضي الغير. وكيف يُعقل أن تكون دولة عضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية ، ومجلس التعاون الخليجي ، جزء من أراضي الغير ، مثل ما ادعى من يجهل الجغرافيا والتاريخ ، فضلا عن المواثيق والأعراف الدولية ، إلا إذا كان الجهل الفاضح والاستهتار بمبادئ حسن الجوار وعدم احترام سيادة الدول واستقلالها ، هو السمة التي يتصف بها أولئك الطامعون ” . ولعلّها مناسبة طيبة أن يتذكر البحرينيون والخليجيون هذا الرد مرّة أخرى إزاء التدخل الإيراني السافر هذه الأيام في الشأن البحريني والخليجي .
ومن حسن الطالع أن ينهي العطية فترة عمله كأمين عام لمجلس التعاون مع عملية دخول قوات درع الجزيرة لمملكة البحرين من أجل مساعدتها في حفظ الأمن والاستقرار ، تنفيذاً للاتفاقيات الأمنية المشتركة بين دوله ، وهي العملية التي علّق عليها معالي السيد حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء القطري تعليقاً بليغاً وذات مدلولات كبيرة حينما قال أن دخول هذه القوات ( درع الجزيرة ) تشعرنا بأن مجلس التعاون يؤدي عمله .
وعبدالرحمن العطية الذي نال رفيع الأوسمة من قادة دول المجلس ؛ لاشك أنه قد نال قبلها وبعدها تقدير شعوب المنطقة على أدائه السياسي والدبلوماسي الرفيع والحضاري في ظل إدارته الحكيمة لهذه المؤسسة التي نعتقد أنها بأحداث البحرين حالياً قد دشّنت مرحلة جديدة من الوحدة الخليجية نأمل أن تتكاتف جهود قادتها وشعوبها لإعلانها دولة أو اتحاداً واحداً لم تعد التهديدات والمخاطر المحيطة بالجسم الخليجي تحتمل غير ذلك الإعلان ، عاجلاً وليس آجلاً .
فألف شكر لمعالي عبدالرحمن بن حمد العطية على عطائه وإنجازه ونتمنى له كل التوفيق والسداد مثلما نتطلّع لأن يكون معالي الدكتور عبداللطيف الزياني الأمين العام الجديد ، خير خَلَف لخيْر سَلَف ، ونحسبه كذلك.
سانحة :
أقترح على كل البحرينيين ( أفراد وعوائل ) أن يسعوا إلى التكريم المادي أو المعنوي للعاملين والخدم وجميع المقيمين معنا على هذه الأرض الطيبة ، خاصة العمالة الآسيوية ، فقد عاشوا معنا محنتنا وأدّوا أعمالهم وواجباتهم ، وراعَهم أن يُقتل ويُصاب منهم ، ممن ليس لهم شأن بهذه الأحداث المؤسفة . يجب أن نرفع لهم شكرنا ونبثّ إلى نفوسهم شيئاً من الطمأنينة .