ليست الأجندات أو التدخلات أو الاستقواءات أو المخططات الخارجية وحدها فقط هي التي أوصلت الأحداث عندنا في البحرين إلى ما آلت إليه ؛ إنما تضافرت أيضاً في ذلك أخطاء وتقصيرات وسوء أداء وتخطيط أو عفو أو تهاون أو تغييب لقوانين وقرارات لتجعل من أشخاص وكيانات يتصرّفون كأنهم دولة داخل دولة . من ذلك – على سبيل المثال – الاتحاد العام لنقابات عمّال البحرين .
هذا الاتحاد غرّر بأتباعه – حتى البسطاء منهم – وأوهمهم وطلب منهم قبل حوالي ثلاثة أسابيع تنفيذ الإضراب العام ثم علّقه ، ثم أعاد الطلب بتنفيذه مرة أخرى إلى أن جاءنا يوم أمس ببيان لتعليق إضرابه . وذلك يحدث بالمخالفة تماماً للقوانين واللوائح المفترض تطبيقها والعمل بها في حالات الإضراب .
لا يختلف أحد على أن الإضراب حق مشروع ، أقرّته الاتفاقيات الدولية والنصوص القانونية ونظمت أهدافه وأطره وكيفية القيام به ، وحصرت أسبابه في المطالبة بحقوق عمالية كتحسين الأجور أو تعديل بيئة العمل أو توفير مزايا وتسهيلات إضافية ، وما إلى ذلك من أمور تدور في هذا الإطار ولا أعتقد أنها ترقى إلى المطالبة بإصلاحات سياسية .
ومع ذلك ، إذا سلّمنا بمشروعية المطالب السياسية لهذا الإضراب الذي أعلنه ثم علّقه الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين أكثر من مرّة ؛ فإن إجراءاته من الناحية القانونية باطلة وتستوجب التوقف عندها ومحاسبة القائمين على إدارة هذا الاتحاد حتى لا يُصار إلى أن يتصرّف هذا الاتحاد وغيره من الهيئات والكيانات كأنهم في ( حارة كل مين إيدو إله ) في ظل تغييب سلطة القانون وأحكامه .
ينص الاتفاق الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي وضعته الأمم المتحدة سنة 1955م بشكل صريح على حق الإضراب في مادته (8) التي تنص في الفقرة (د) على: ” الحق في الإضراب على أن يمارس طبقاً لقوانين القطر المختص “. وبالرجوع إلى القوانين التي تنظم ممارسة الإضراب في البحرين نجد القانون رقم (49) لسنة 2006بتعديل بعض أحكام قانون النقابات العمالية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (33) لسنة 2002، والذي يقول بكل وضوح في مادته رقم (21) في فقرتها الثانية ، ما يلي : يلزم لصحة الإضراب توافر الشروط التالية :
” أ- موافقة أغلبية أعضاء الجمعية العمومية غير العادية للمنظمة النقابية المعنية على إعلان الإضراب ” والواضح أنه لا جمعية عمومية غير عادية لهذا الاتحاد قد اجتمعت لإعلان الإضراب ولا لتعليقه ، في المرّتين !!
” ب- إخطار صاحب العمل بعزم العمال على التوقف عن العمل قبل خمسة عشر يوماً على الأقل من القيام بالإضراب ” وبالطبع هذا الإخطار المسبق لم يُعمل به .
ج- عدم التوقف عن العمل أثناء عرض النزاع لحسمه عن طريق التوفيق والتحكيم.
” د- عدم جواز الإضراب في المنشآت الحيوية التي يترتب على الإضراب فيها الإخلال بالأمن الوطني أو اضطراب في سير الحياة اليومية للمواطنين . ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتحديد المنشآت الحيوية التي لا يجوز فيها الإضراب ” وبالفعل أصدر رئيس الوزراء الموقر قرار رقم (62) لسنة 2006 بشأن تحديد المنشآت الحيوية المحظور بها الإضراب ، و تشمل بحسب المادة الأولى من هذا القرار ( 12) مجالاً، هي : الأمن ، الدفاع المدني ، المطارات ، الموانيء ، المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات ، جميع وسائل نقل الأشخاص والبضائع ، الاتصالات السلكية واللاسلكية ، الكهرباء ، الماء ، المخابز ، المؤسسات التعليمية ، منشآت قطاع النفط والغاز.
وأترك للقراء الأعزاء والمواطنين الكرام تقدير مدى جسامة التجاوزات والمخالفات القانونية التي ارتكبها هذا الاتحاد بشأن تنفيذه للإضراب بدون الرجوع للجمعية العمومية وبدون الإخطار المسبق وكذا تنفيذه في مجالات محظور قانونياً الإضراب فيها خاصة المؤسسات التعليمية .
من يدير هذا الاتحاد ؟ ولصالح من ؟ وكيف يتخّذ قراراته ؟ ولماذا يُسمح له بتجاوز قانون النقابات العمالية وقرار تحديد المنشآت الحيوية المحظور بها الإضراب ؟ إن عدم الإجابة على مثل هذه الأسئلة هي التي دفعت الأحداث إلى ما وصلت إليه ، وجعلت هذا الاتحاد يخرج علينا يوم بالإضراب ليعصف بالتنمية والاقتصاد الوطني ثم يعود علينا في يوم آخر ليقول أنه علّق إضرابه حفاظاً على عجلة التنمية والاقتصاد !! وهو في الحالتين يضرب بالقانون عرض الحائط .. ولاحظوا أنه لم يُلغ الإضراب وإنما علّقه .. دولة داخل دولة .
سـانحة :
وتبعاً لما سبق ؛ ألم يأن الأوان لحلّ جمعية ( بعض ) المعلّمين ومحاسبة مسؤوليها أيضاً لإعلانهم إضراباً لا يدخل ضمن اختصاصاتهم القيام به ، وليس ضمن نظامهم الأساسي المنصوص عليها في قرار إنشائها ؟ .. وبالتالي إعادة تشكيل جمعية لتضمّ ( كلّ ) المعلّمين .