نافذة الجمعة

( احنا دافنينه سوا )

هو مثل شعبي مصري  شهير يُقال عن قصته إن شخصين كان لديهما حمار يعتمدان عليه في تمشية أمورهما المعيشية ونقل البضائع من قرية إلى أخرى , وأحباه حتى صار كأخ لهما ، يأكلان معه وينام جنبهما . وأعطياه اسما للتحبب هو أبوالصبر , وفي أحد الأيام وأثناء سفرهما في الصحراء سقط الحمار ونفق . حزن الأخَوان على الحمار حزناً شديداً ودفناه بشكل لائق وجلسا يبكيان على قبره بكاء مرّاً , وكان كلّ من يمرّ عليهما يلاحظ هذا المشهد فيحزن على المسكينين ويسألهما عن صاحب القبر فيجيبناه بأنه المرحوم أبو الصبر ويصفانه بأنه كان الخير والبركة ، يقضي الحوائج ويرفع الأثقال ويوصل البعيد . فكان الناس يحسبون أنهما يتكلمان عن شيخ جليل أو عبد صالح فيشاركونهم البكاء . وشيئاً فشيئاً صار البعض يتبرع ببعض المال لهما . ومرت الأيام فوضعا خيمة على القبر وزادت التبرعات فبنيا حجرة مكان الخيمة والناس تزور الموقع وتقرأ الفاتحة على العبد الصالح الشيخ الجليل أبو الصبر . وصار الموقع مزاراً يقصده الناس من مختلف الأماكن. ثم تطوّر الأمر وصار لمزار أبو الصبر كرامات ومعجزات يتحدث عنها الجميع فهو يفكّ السحر ويزوج العانس ويغني الفقير ويشفي المريض وكل المشاكل التي لاحلّ لها , فيأتي الزوار ويقدمون النذور والتبرعات طمعاً في أن يفكّ الولي الصالح عقدتهم , واغتنى الأخَوان وصارا يجمعان الأموال التي تبرع بها الناس السذج ويتقاسمانها بينهما . وفي يوم اختلف الأخَوان على تقسيم المال فغضب أحدهما وارتجف وقال : والله سأطلب من الشيخ أبو الصبر (مشيراً إلى القبر ) أن ينتقم منك ويريك غضبه ويسترجع حقي . ضحك أخوه وقال : أي شيخ صالح يا أخي ؟ أنسيت الحمار ؟ دا احنا دافنينه سوا !! ومضى هذا مثلاً شائعاً في حياة الناس يطلقونه أكثر ما يستخدمونه حينما يختلف الحرامية على ( بوقَتْهم ) أو يتبرأ الكذابون من كذبة ارتكبوها معاً أو يتلاوم المجرمون بشأن جريمة كانوا فيها شركاء .

في هذه الأيام ؛ يمكننا أن نستدعي هذا المثل الشعبي ( احنا دافنينه سوا ) على بعض الذين تغيرت مواقفهم وكتاباتهم بشأن الاعتصامات والاحتجاجات والأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد عما كانوا عليه في بدايتها وأثنائها وصاروا الآن ينتقدونها أو يتبرأون منها رغم أنهم كانوا من أسباب انطلاق شرارتها والمتحمسين لها والمحرّضين عليها والعاملين على إذكاء جذوتها ، وشركاء فيها ، بالضبط كالأخوين أصحاب الحمار أبو الصبر الذين حينما اختلفت مصالحهما وأرادا أن ينقلبا على بعضهما قال الآخر لأخيه ( احنا دافنينه سوا ) .

ســانحة :

لاشك أنه جهد مشكور هو الذي أعلنت عنه يوم أمس حوالي (45) شخصية للقيام بمبادرة لترسيخ الوحدة الوطنية ، يمثلون القطاعات الاقتصادية والثقافية والمهنية . لكن السؤال البديهي الذي تداوله الكثيرون يوم أمس عند قرائتهم لهذا الخبر : أين كانت هذه الشخصيات طوال أيام الأحداث المؤسفة على مدار شهر كامل تقريباً ؟! وماهو موقعها من الإعراب آنذاك ؟! ولماذا لم تظهر لهم مبادرات حينذاك ، حين الوقت المناسب ؟!

أضف تعليق