ما ذكرناه في عمود الأمس الأول كان يتعلق ببعض نجاحات ثورة البحرين على مستوى صعيدها المحلي ؛ أما على المستوى الخارجي فإن هنالك نجاحات كبرى ربما لم تكن لتحدث لو تم التخطيط لها لسنوات وسنوات ، وأهم تلك المنجزات لثورة البحرين إنما تخص محيطها الخليجي والإقليمي ، وحققتها بكل جدارة واستحقاق ، وهي : أولاً : إعادة بعث روح الانتماء الخليجية لدى شعوب دول مجلس التعاون ودفعهم مع قياداتهم لدق نواقيس الخطر والإحساس بقيمة وحدتهم والشعور بالمصير المشترك الذي يربط علاقاتهم والعمق الاستراتيجي بينهم ويضع على عاتقهم مسؤوليات جديدة للمرحلة المقبلة من العمل الخليجي عنوانها : ” ست دول في وطن واحد ” يتمكنون من خلالها مواجهة سائر التحديات والتهديدات المحيطة بدولهم بما في ذلك التحالفات المشبوهة والأدوار المتبادلة بين الأمريكان والإيرانيين وأطماعهم المعروفة لتقاسم الكعكة الخليجية .
ثانياً : دخول قوات درع الجزيرة إلى أراضي مملكة البحرين تفعيلاً للاتفاقيات والمعاهدات الأمنية والدفاعية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ثاني مشاركة لها منذ تأسيسها إذ كانت المشاركة الأولى لها في عام 2003م إبان حرب تحرير الكويت . هذه القوات شكلت بدخولها للبحرين ضمانة مفادها دعوة للانتباه إلى العمق الاستراتيجي للبحرين كما رفعت رسالة للطامعين والمتآمرين والمتربصين خاصة على الضفة الأخرى للخليج فحواها أن البحرين ليست وحدها . والجميع عرف بعد ذلك أن هذه الضمانة والرسالة التي مثلتهما درع الجزيرة ( لخبطت ) الأوراق وبعثرت المخطط ولم يكن دخولها البحرين في حسبانهم ووارد احتياطاتهم.
ثالثاً : بروز موقف خليجي موحد تجاه أحداث البحرين ومؤيد لطريقة معالجة حكام البحرين للأزمة وفوق ذلك الدعم الاقتصادي الذي تقرر لمساعدة البحرين خلال الفترة المقبلة ؛ كلّ ذلك هو نجاح محسوب بكل المقاييس لثورة البحرين يتضاعف أكثر عند النظر لحجم الالتفاف والاهتمام الشعبي عند دول الخليج بما حدث في البحرين ، بل وتزداد أهميته لكونه الموقف الذي نال إجماع دول المجلس واتفاقهم عليه بعد عدة سنوات من التذبذب والتردد فيما يخص بعض القضايا والمشروعات الخليجية المشتركة . أي أن ثورة البحرين ربما أعادت وضع القطار الخليجي على سكّته مرّة أخرى .
رابعاً : هيأت ثورة البحرين الأجواء الإقليمية والدولية ومراكز اتخاذ القرار فيها لإعلان أو تطوير شكل جديد من أشكال الوحدة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حيث لم يعد من المعقول أو المقبول الإبقاء على الإطار الحالي الذي يجمع دوله دونما تغيير يتناسب مع ما أفرزته ثورة البحرين من معطيات جديدة تضعها كلّها في مرمى خطر واحد يستلزم التعامل معه بروح وجسد واحد . وقد صار من المتاح الآن سماع هذه الدعوة وكثرة تكرارها من مستويات خليجية كثيرة ، سواء قيادات ومسؤولين رسميين أو علماء ومفكرين وإعلاميين واقتصاديين و… إلخ.
خامساً : كما انكشف أقنعة في داخل البحرين فقد انكشفت بسبب ثورة البحرين أقنعة في خارجها وأفصحت بشكل واضح عن عدائها وتدخلاتها المريبة في الشأن البحريني خاصة والخليجي عموماً ، ومن دون الدخول في تفاصيل فقد عرّت أحداث البحرين عمائم النظام الإيراني والحكومة العراقية وحزب الله .
سادساً : في المقابل ؛ كسبت البحرين بسبب ثورتها مواقف دولية كثيرة إلى جانبها ، بذلت لأجل بيان حقيقة ما جرى على أرضها جهوداً كبيرة . ويأتي في مقدمة هذه المكاسب موقف الجمهورية التركية وما تشكله من قوة صاعدة في الشرق الأوسط ، يُنظر إليها كرافد جديد من روافد الوقوف في وجه التمدّد الصفوي في المنطقة تحت القيادة الإيرانية وتحقيق التوازن في المنطقة . ونحسب أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مطالبة جميعها الآن بالانفتاح على الصديق التركي والتعاون معه واحتضانه ، بل ويمكن التحالف معه إزاء الأطماع التي تحيق بدولهم وصدّها .
سانحة :
حين تعلو .. يعرف أصحابك مَن أنت وحين تسقط .. تعرف أنت مَن أصحابك