راصد

راشد علي فخرو في ذمة الله

في ســاحة مقبرة المحرق على أبي محمد ، حزنت القلوب وبكت العيـون وذرفت الدموع ، فقد كان موته فجأة دون وداع ، ودون سابق مرض أو وجع ، وذلك بعد أن أدّى فرض ربّه في صلاة الفجر بين أصحابه في مسجد عبدالله بن عمر بعراد الذي هو إحدى دعاماته وحماماته ، ومن المشمولين ببشرى سيد البشر صلى الله عليه وسلّم في الحديث الشريف ” بشّر المشّائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة ” ثم ذهب إلى ( الخبّاز ) – كعادته – في قضاء حوائج أهله وأبنائه ثم عاد إلى بيته ليفطر بينهم ومعهم دون أن يدري أنه لن يخرج منه إلاّ محمولاً على أكتاف أبنائه وأحبائه الذين ودّعهم وهو في أحسن حال وكان معهم لا يشتكي ألماً أو مرضاً ولا يتوقع رحيلاً نهائياً عنهم لولا أنه هكذا حقيقة هذه الحياة التي لاتقدّم المرضى على الأصحاء ولا تقدّم الشيوخ على الشباب ولا الشباب على الشيوخ ، ولا الكبار على الصغار ولا الصغار على الكبار ؛  بل من جاءه أجله رحل ، ومن حلّت منيّته غادر وتركنا نحن أبناء الدنيا وفي عيوننا عبرة وفي قلوبنا ألم نغصّ به على دنيانا التي أشغلتنا حاجاتها فلا يطرأ علينا طارىء الموت، ولا ذكرى الراحلين عنها ، ولا مشهد هذه القبور التي تملأ الرحب ، نعيش فيها كالمخلّدين الذين لا يتوقعون فراقها ومغادرتها مع أن الرحيل عنها ناموس كوني لا يتغير ولا يتبدّل .

في عصر الأول من أمس ( الأثنين ) وقفنا نهيل التراب على راشد علي فخرو ، ورأيناه وهو يوضع في لحده وتصفّ عليه لبنات الطين ثم يهال التراب قبل أن يتوارى لينام في قبره قريراً سعيداً إن شاء الله بعد أن ربّى أبنائه على طاعة الرحمن وأدّى مهمة الأبوّة ورسالته في أهله إلى آخر لحظات ومحطات حياته ، لم يشتك تعباً ولم يتأفف من مهمته نصباً ، كان بارّاً بأهله حافظاً حريصاً على أبنائه ودوداً لهم ولجميع من يعرفهم ، ولم يورّث أبو محمد لأهله أفضل من الذكر الجميل لشخصه بين الناس  ، وقد مات وقلبه في صفاء وبياض الكفن الذي كفّن به .

رحم الله أبا محمد ، وندعو الله أن يتغمده  برحمته وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وهو القادر على كل شيء فقد ودّع الدنيا قريباً من ربّه .

سانحة :

ذكر المؤرخ ابن عساكر في تاريخ دمشق من أن الأديب اللغوي الأصمعي قال: ” دخلت في الطواف وقت السحر – قبيل ضوء الفجر – فرأيت شاباً
متعلقا بأستار الكعبة يبتهل إلى ربه متضرعاً ويقول : زادي قليل ما أراه مبلغي أللزاد
أبكي أم لطول مسافتي ؟ أتحرقني بالنار يا غاية المنى فأين رجائي فيك أين مخافتي؟
قال الأصمعي اقتربت من الشاب وتفرّست في وجهه وإذا به الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب – المشهور بالحسن المثنى – فقلت له : أنت من نسل بيت النبوة
ومع هذا تخاف اليوم الآخر؟! فقال الحسن : يا أصمعي إن الله خلق الجنة لكل طائع
وصالح وإن كان خلق النار لكل فاجر وجاحد وإن كان سيداً قرشيا ، أو ما قرأت قول الله تعالى عن يوم القيامة : ” فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون “؟

رأي واحد على “راشد علي فخرو في ذمة الله

أضف تعليق