راصد

خسِرت أكثر مما ربحت ..

بغض النظر عن أية مواقف مبدئية مؤيدة أو رافضة لفكر وسلوك تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن ، وبغض النظر عمّن يقف فعلاً  وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، سواء تنظيم القاعدة أو غيره من الأيادي التي أثيرت حولها شبهات واستفادات عدّة تشكّك في هويّة الفاعل الحقيقي لها ، بغضّ النظر عن كل ذلك ؛ إلاّ أن الثابت هو أن هذه الأحداث والأعمال التي قام بها هذا التنظيم أو غيره جاءت لتعطي الخطاب الأمريكي والغربي فسحة زمانية طويلة ( عشر سنوات ) وفسحة مكانية كبيرة ( العالم العربي والإسلامي ) من مشروعية الحضور ودوافع حرية الحركة وسياسة ( العربدة ) في البلدان التي تتهمها بدعم الإرهاب واحتضانه أو تمويله  . وهذا ما تم بالفعل وتسبب في فتح شهية الغرب وبالذات ( الكابوي ) الأمريكي لغزو واحتلال العراق وتدمير أفغانستان وفرض عقوبات وأجندات وتوجهات ومناهج هنا وهناك وملاحقة ومضايقة العمل الخيري الإسلامي والسماح في المقابل بتمدّد العمل الخيري المسيحي ( التبشيري ) واليهودي ، وصارت جميع الدول العربية والإسلامية ، واقعة في مرمى تهم جاهزة حول الإرهاب ، لا تختلف في ذلك أنظمة حكم أو جماعات إسلامية معتدلة أو متطرّفة ، كان الكل سواء في التقييم الأمريكي وإن اختلفت الصور ، وكانت بعض الدول تقدّم قرابين وتضحيات من أبنائها ومواطنيها لاسترضاء العمّ الأمريكي وإزالة شبهة دعم الإرهاب عنها .

غير أن ما نتج عن تلك الحروب و( العربدة ) أن أمريكا خسرت أكثر مما ربحت ، فهي وإن أسقطت في العراق نظام صدّام إلاّ أنها لم تربحها أو على الأقل لم تحقق في العراق كامل ما أرادته . وهي وإن أطاحت بنظام طالبان في أفغانستان إلاّ أن طالبان بدأت تزحف نحو العودة بقوة ، ولم يمنعها أو يوقف زحفها حتى الآن جيوش التحالف الأمريكي الغربي .

وبدلاً من أن تحصل أمريكا على رضا العالم وشعوبه وتستعطفهم نحوها وتدعمها في حربها على ما أسمته ( الإرهاب ) ؛ ازدادت كراهيتها وتعدّدت أنواع وصنوف العداء لها ، خاصة بعدما ذهبت بعيداً في إسقاط قناع حقوق الإنسان عنها ، ليس فقط بواسطة بارجاتها ومدمراتها في ( تورا بورا) أو صواريخها في الفلّوجة أو مذابحها في وادي جانجي أو انتهاكاتها في سجون ومظاليم غوانتنامو أو سجون أبوغريب أو ما شابهها من مجازر ومذابح مزقت هذا القناع و( مرمطته) . وإنما أيضاً لطفح سياسة الكيل بمكيالين ، حيث بات واضحاً للعالم حيرتهم في تفسير فرق تعامل أمريكا – مثلاً – بين تنظيم القاعدة أو حماس أو طالبان وبين السفاح شارون أو الجزّار أولمرت أو مصّاص الدماء نتنياهو أو أشباههم حتى تدعم أمريكا الصنف الثاني وتبرر له جرائمه ومجازره ثم تلوم الصنف الأول وتتوعده وتلاحقه ؟! وبالتالي : أليست هي مفارقة عظيمة وتناقض صارخ أن يتم التنادي لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه ويُقال في آلة الإعلام الدولية والمناهج والأدبيات المتعددة أن الإرهاب لا وطن له ولادين ثم يُستثنى الكيان الصهيوني من كل ذلك رغم إرهابه وهمجيته وبربريته ووحشيته ؟! لنكتشف – بداهة – أن المقصود بذلك إنما هم العرب والمسلمون على وجه الحصر والقصر حتى وإن ظهر بوش أو أوباما ليقول : إن حربنا على الإرهاب وليس الإسلام ..

لو كان المكيال واحداً وعادلاً ، ولو كانت هنالك مباديء ومواقف أخلاقية لاتتبدّل  وأعراف قانونية وشرعية ثابتة ومصداقية راسخة لما حصل أسامة بن لادن كل هذه الشعبية لدى الدول العربية والإسلامية ، ولما حظي استشهاده بحزنهم ، وهي المكانة التي حصل عليها رحمه الله ليس تأييداً لفكره ورضاً بنهجه وتنظيمه بقدر ماهي لمجرّد رمزيّة وقوفه في وجه الصَّلَف الأمريكي في عصر عزّ فيه هذا الوقوف . ورغم أن توقيت اغتياله ، ربما تم تدبيره لأغراض انتخابية في واشنطن أو أنها مسألة قد حان وقتها للتغطية على مؤامرات وتحرّكات أخرى أو أنها لتحسين صورة البيت الأبيض لدى أهله وجمهوره بعدما طغى الفشل والخيبة على هذه الصورة .

أضف تعليق