راصد

محكمة السلامة الوطنية .. تحية ودمعة

أصدرت يوم الخميس الماضي محكمة السلامة الوطنية حكماً متميزاً وفريداً يقضي ببراءة متهم مما أسند إليه في واقعة الشروع في قتل عدد من رجال الأمن العام بغرض إرهابي لتسجل البحرين بذلك الحكم حدثاً حقوقياً كان من المفترض أن تطير به مؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان ، تبشّر من خلاله بنزاهة القضاء البحريني ، ترفع من شأنه وتقدّر عدالته وتعلن للعالم أجمع بأن محاكمنا التي يسمونها في القنوات والمنظمات المعروفة بأنها محاكم عسكرية ، وبأنها محاكم تفتيش ، وبأنها محاكم في ظل ما يشبه حالة الطواريء ؛ تُصدر أحكاماً بالبراءة . وهذا محل فخر ومكسب للبحرين لولا أن ذلك لم يحدث ، ولم تطير بهذا الخبر ( الرّكبان ) كما طارت بحكم الإعدام ، لا لشيء سوى أننا الآن نجني ضريبة تخلّينا عن ركوب موجة تلك المنظمات والقنوات الحقوقية وتقاعسنا عنها طيلة السنوات الماضية ، وانزوائناعن التواصل وإقامة علاقات معها على المستوى الأهلي وغير الرسمي ، وترك هذه الأمور ومثلها لغيرنا الذين سيطروا على تلك الساحة ليكسبوا ما ترونه ونخسر – أيضاً – ماترونه .

أعرف أن كثرة من المواطنين قد أزعجهم هذا الحكم وانتقدوه ، وهذا شأنهم ، وشأن عواطفهم وتحمّسهم ، وهم معذورين ؛ فما حصل في البحرين من أحداث مؤلمة أثارت غضب الجميع ودفعتهم لترقب العقاب والقصاص وليس البراءة ! غير أن القضاء العادل الذي نتشرّف به في البحرين لايضع في ميزانه مثل هذه العواطف وإنما تقوم أحكامه على الأدلة والإثباتات ، ويتمتع بالنزاهة والشفافية . وهنالك قاعدة أصولية للقضاء العادل مفادها ” تبرئة مذنب خير من إدانة بريء ” وقاعدة أخرى ” أن الشك يُفسّر لصالح المتهم ” . ولذلك حينما نقرأ في حيثيات حكم البراءة الذي أصدرته محكمة السلامة الوطنية الخميس الماضي مايلي : ”  ولما كان ذلك ، وكانت الظروف التي أحاطت بالواقعة وملابسات ارتكابها وما أدلى به عدد من الشهود وما أقرّ به المتهم لاتقطع على وجه الجزم واليقين بانصراف إرادته إلى ارتكاب الفعل المادي المسند إليه ، وحيث أن المتهم قد اعتصم بالإنكار طيلة مراحل الدعوى وكانت شهادة المجني عليهما وحدها غير كافية لاستخلاص ذلك القصد ، وكان الأصل العام هو أنه إذا تطرّق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال وكان من المقرر أن الأحكام الجنائية تبنى على الجزم واليقين من دون الاحتمال والتخمين فإن المحكمة تنتهي إلى عدم اطمئنانها إلى توافر هذا القصد الخاص في حق المتهم “

لو كان هناك تعسّف في الأحكام ، ولو كانت هنالك أحكام مسبقة وجاهزة ، ولو كان هناك استقصاد لمذهب أو تطهير لطائفة أو عقاب على جرائم مفبركة ، لو كان هناك وهناك وهناك مما يثيرونه وينشرونه في الخارج لما أصدرت هذه المحكمة وقضاتها الأفاضل حكماً بالبراءة ، وهي على علم بأن الظروف الحالية قد تستهجنه وأن المزاج العام قد يرفضه ولا يقبله .

المحاكم العسكرية التي تُقام في عدد من البلدان ومن بينها إيران ، عادة ما تكون الأحكام فيها معدّة سلفاً ولا تتوفر فيها ضمانات ولا يُتاح فيها الاستئناف ولا يُسمح فيها للقضاة بأن يقولوا ” إذا تطرّق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال ” أو أن يستندوا إلى قاعدة ” الأحكام الجنائية تبنى على الجزم واليقين من دون الاحتمال والتخمين “.

تحية شكر وتقدير لمحكمة السلامة الوطنية ، ودمعة حزن على أن مثل هذا الحُكْم لم يُستخدم ولم ينل نصيبه وحقّه المفترض للدفاع عن البحرين في معركتها الحقوقية والإعلامية التي اشتدّ وطيسها وزادت حموتها وتضاعفت أغلاطها وافتراءاتها وغلِبَ كذبها على صِدْقها .. وأصبحنا في مواقف الدفاع وردّ الفعل فقط وتنقصنا المبادرة وصناعة الفعل .

أضف تعليق