” التنبلة ” كلمة تستخدم في لهجتنا الدارجة كمرادف للكسل والخمول أو اللامبالاة والاعتماد على الآخرين وما شابهها من معاني تصبّ جميعها في مصاف عادات مكتسبة تسهم في تردّي الإنسان وعدم قيامه بواجباته ومهامه وانتفاء حرصه على الاستفادة من جوارحه وقدراته وإمكانياته ، ومن ثم اتكاله على الغير في إنجاز أعماله وتسيير حياته .
و” التنبلة ” مرض عضال قد يستقر في تصرّفات الإنسان ويعيش معه لسنوات وسنوات دون أن يشعر بإصابته بهذا المرض ، بل ويعتقد أن حالة الكسل والاعتماد على غيره أمر طبيعي لايستحق إعادة النظر أو التفكير في إيجاد نهاية له إلاّ إذا شعر بمدى الخطر ومقدار الخراب الذي تسببت فيه ” تنبلته ” .
حاولت خلال الأيام القليلة الماضية أن أبحث عن سبب أو أسباب تفوّق ( أهل الدوار وأتباع الجمهورية ) على غيرهم لاسيما فيما يجري خوضه الآن من معارك إعلامية وحقوقية على مختلف الأصعدة الإقليمية والدولية ، وحاولت أن أرصد دواعي هذه القدرة على حشد قنوات ومنظمات ومؤسسات ومنتديات ومؤتمرات وصحف ومجلات وتجييشها وإمدادها بكل هذه التلفيقات والتشويهات ، ومن ثم تسليطها للنيل من وطننا العزيز ، فوجدت ضمن هذه الأسباب أنّ كثرة منّا قد ارتضت وتأقلمت لسنوات مضت مع داء ” التنبلة ” وانشغلت مع متطلبات العيش في أجوائه من توفير أسباب الراحة والكسل و( الدعة ) والترفيه والتخلّص أو التملّص من منغصّات ” التنبلة ” كالاجتهاد والتفوق في الدراسة أو العمل في المهن والحرف البسيطة أو الحرّة ، واستبعاد الاشتغال بالأمور السياسية والحقوقية والإعلامية والنقابية وعدم اهتمامها بتفعيل طاقاتها وإمكانياتها وفاعليتها وتأثير قدراتها وإيمانها بضرورة أن يكون لهم دور في محيطهم ومجتمعهم بحيث أن أي مقارنة بين الطرفين لأعداد المنضوين لكل منهم في جمعيات النفع العام أو الجمعيات السياسية أو الجمعيات المهنية أو النقابات العمالية أو مثلها ستكتشفون أن الفروقات بالآلاف إن لم تكن أكثر. ويمكن الاستدلال على ذلك بأعدادنا في الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وما تحته من نقابات وكذلك جمعية المعلمين أو جمعية الأطباء أو ما شابههم من جمعيات ومؤسسات أدارت الأحداث المؤسفة وشوّهت صورة الوطن وأساءت للجميع في ظل شبه غياب كامل منّا عن تلك الأدوات ومراكز التأثير والفاعلية ( المختطفة ) .
وبالتالي ينبغي ألاّ نلوم الآخرين بقدر ما يجب أن نجلد ذاتنا ونتخلّص من أعراض ما يشبه ” التنبلة ” وهي أيضاً بالمناسبة ؛ يُقال أنها كلمة أصلها تركي ، ويُقال أيضاً أن انتشار الإصابة بها عند العثمانيين وركونهم لحياة الترف واللهو والبذخ ساهم في التعجيل بسقوط دولتهم . كما أن ” التنبلة ” ارتبطت بقصة شهيرة في عهد الدولة العثمانية تناقلها الناس تحت مسمى ” تنابلة السلطان ” تستحق أن نرويها في هذا المقام حيث يُقال إن أحد السلاطين العثمانيين أمر بإنشاء دار للعجزة والمسنين، وخصص مبلغا للصرف على تلك الدار، لكن تلك الدار خرجت عن مسارها وأهدافها، وغدت ملجأ لكل كسلان، يجد فيها المأكل والمشرب والمأوى، فغضب السلطان حينما تكشفت له أحوال الدار، وأمر بمعاقبة مدّعي العجز بإغراقهم في النهر. وفي الطريق إلى النهر أراد رجل من أهل الخير أن ينقذ هؤلاء الكسالى من الموت، فأخبر الجنود أن لديه مزرعة كبيرة لتربية الأبقار، تتوفر فيها الكثير من المياه، ويجلب إليها يوميا الكثير من الخبز اليابس من فضلات البيوت، ويمكن لهؤلاء أن يعيشوا في المزرعة، ويعتمدوا في طعامهم على تناول العيش اليابس بعد نقعه في الماء. وسمع التنابلة الحوار الذي يجري بين فاعل الخير والجنود، فسألوا فاعل الخير عمن سيتولى أمر نقع الخبز في الماء، فقال: “أنتم” . حينها صاح كبيرهم يستحثّ الجند بالإسراع إلى النهر لإغراقهم تنفيذاً لأوامر السلطان.
سانحة :
وتبعاً لما سبق ، ولأن المنحة تخرج من المحنة ؛ فإن الأزمة التي مرّت ببحريننا الغالية قد جعلت كثرة غالبة من المواطنين ، صغاراً وكباراً ، رجالاً ونساء ، يستعيدون عافيتهم ويتخلّصون من الأدواء التي شلّت حركتهم وقلّصت فضاءهم وأتاحت لغيرهم اختطاف جمعيات ونقابات ومؤسسات ومراكز ومواقع وأدوات ومحلات ، فيدبّ فيهم الآن – بفضل الله تعالى ثم هذه المحنة – نشاط وحماس العودة إلى مكانهم الطبيعي ، في صدارة التأثير والفاعلية والإنجاز ، في مشاهد وصور تُفرح وتثلج الصدور ، ولا نملك إزاءها إلاّ الدعاء للمولى عز وجل أن يوفقهم ويحفظ لنا وطننا الغالي مما يُحاك له في الليل والنهار.