هذا ( العون ) قيل لنا قبل حوالي أكثر من أربع سنوات بأنه هو المشروع المنقذ لما آلت إليه أوضاع العمالة الأجنبية في البحرين من تزايد مخيف ، يُخشى من استمراره حصول تأثيرات كبيرة على تركيبتنا الديموغرافية وأنه سيتكفل بوضع وتنفيذ خطة وطنية بشأن سوق العمل تتضمن الاستراتيجية والسياسة العامة بشأن تشغيل العمالة الوطنية والأجنبية ، وذلك بمراعاة توجه الدولة بشأن سوق العمل وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وكان يُنتظر من هذا ( العون ) حراكاً يمنع تضاعف أعداد العاطلين عن العمل ويصفّر أو يقلل نسبتهم ويقضي بالتالي على أية احتجاجات أو اعتصامات تتعلق بالبطالة أو يضيق في أحسن الأحوال من فتيل انفجارها .
قيل لنا أيضاً أو بشّرونا أن هذا المشروع سيضع حدّا لظاهرة العمالة السائبة أو الهاربة ( الفيري فيزا ) وسيكون لها بالمرصاد من خلال إجراءات وخطط تمنع الاستفادة منها أو غرامات وجزاءات تعجّل بنهايتها أو تجعل ( سالفة ) جلبها ورميها أو تهريبها إلى الشارع أمراً مُحالاً .
قيل لنا أيضاً أن هذا المشروع سيقوم بإعادة هندسة سوق العمل بحيث لا يدخله من الأجانب إلاّ من لنا حاجة فعلية وواقعية له وسيوجّه الأنظار إلى طاقاتنا وإمكانياتنا البشرية ، ستكون لها الأولوية ، وسنخصّها بالتدريب وإعادة التأهيل لنضعها في المكان المناسب واللائق بها أو سنطبق لأجلها سياسة الإحلال ولن يدوم الأجنبي في مكانه سنوات وسنوات .
وقيل لنا أن هذا المشروع ( الفلتة ) سيعيد تنظيم عمليات استخراج تصاريح العمل وتراخيص وكالات توريد العمال ومكاتب التوظيف وتصاريح مزاولة أصحاب العمل الأجانب للعمل ويضبطها ويقضي على مختلف صور ( المرمطة ) التي تصاحبها ، سوف يقوم بتسهيل الإجراءات وتبسيطها وتقصير مدد استخراجها .
تكوّن هذا المشروع ( العون ) من جزئين ، أولهما : صندوق العمل ( تمكين ) عماده المالي اقتطاع نسبة (1%) من المداخيل الشهرية لأكثرية المواطنين عبر ما تم تسميته التأمين ضد البطالة ، وهي نسبة تم أخذها عنوة ، بدون رضا أصحابها ، تدخّل غير مرغوب في مستحقاتهم لم يكن لهم فيه رأي . ومع ذلك تراكمت عبر هذه السنين هذه المبالغ في صندوق تمكين من دون أن يعرف كيف يتصرّف بها أو يوجهها نحو تحقيق الأهداف والرؤى التي قيل لنا أنه تم إنشاؤه لأجلها ، فأخذ يبعثرها هنا وهناك في أنشطة وممارسات لاتربطها علاقة بتلك الأهداف ، وصارت فوائضه السنوية في خانة الملايين حتى ضجّ منها تقرير ديوان الرقابة المالية فأعلن استغرابه أن مبلغاً وقدره (90) مليون دينار يديره (14) موظفاً فقط .
أما الجزء الثاني من هذا ( العون ) فهو هيئة تنظيم سوق العمل ، وغالب عمادها المالي هو استحصال من أصحاب العمل رسوم وقدرها (10) دنانير عن كل عامل لديهم . تم إجبارهم على الدفع ، وهو دفع مال من حرّ مالهم وتعب جبينهم وكدّ مدخراتهم لم يروا له من أثر أو مقابل سوى مزيد من التدهور ، وتزايد العمالة الأجنبية ، ومثلها عمالة ( الفري فيزا ) والأسواء منها ( مرمطة ) استخراج تصاريح العمل والحصول على العمالة اللازمة لأصحاب الأعمال واستكمال إجراءات كل ذلك مما كان الأمل أن ماسيدفعونه من أمواله وأموال الآخرين سيسهم في رفع هذا الضنك والتعب والازدحام وصنوف التعطيل والعقبات التي باتت سمة واضحة ، هكذا هو المفترض لولا أن كثرة من مشروعاتنا تخرج في بداياتها بصورة بيضاء مجللّة بالتفاءل ثم لاتلبث أن يخبوا أوارها وتخفت شعلتها ثم تتزاحم علينا نتائج فشلها بحيث تصبح رقماً وعبئاً إضافيا ليس من المعروف كيفية إدارتها.
هذا ( العون ) ؛ وكنتيجة طبيعية لاستحقاقات الرسوم الشهرية الجديدة توقف أو ( فرمل ) العديد من المواطنين عن الإقدام نحو أي مشروع استثماري وأغلق آخرون حتى محلاتهم وبراداتهم بعدما ضاقت بهم سبل دفع هذه الرسوم الجديدة ولم تتحملها ميزانياتهم فضلاً عن عدم قدرتها وضع ما بشرتنا به على الأرض أو جعله على الأرض .
وبالطبع لانريد أن نخوض في مقدار طائفية هذا المشروع ، ليس فقط في مكوناته وهياكله الوظيفية ، بل الأصعب من ذلك ممارساته ، ليس الآن ولكن قبل الآن ، أو قبل أن يكشف مجلس النواب الأسبوع الماضي حجم ومقدار الفوضى العارمة أو ( الخلاقة ) التي دبّت في هذا ( العون ) إلى الدرجة التي قلبته وجعلته بدلاً من أن يخدم النظام والدولة ويضع وينفذ خطط واستراتيجيات ضبط العمالة الوطنية والأجنبية والسائبة فيها صار كثرة من مسؤوليه وموظفيه يطالبون بإسقاط النظام والانقلاب على الدولة ، أي انقلب إلى ( فرعون ) بعدما ترقبناه أن يكون ( عون ) .
سانحة :
ألا يمكن لست دول فقط، كدولنا الخليجية، تربطها لغة واحدة ودين واحد وعلاقات متداخلة ومترابطة يرجع تاريخها إلى مئات السنين ويشملها إقليم جغرافي واحد، وتتهدّدها أخطار واحدة أيضاً.. أليس من الأجدر بهم أن يرتقي مجلسهم الحالي ويصل إلى مراتب الاتحاد الأوروبي. ليس ثمة فرصة لتحقيق ذلك مثل الآن فنفرح بإعلان قيام اتحاد مجلس التعاون لدول الخليج العربية.