كثيرة هي الدلائل التي تفضح العلاقة المشبوهة بين أمريكا ونظام ( الملالي ) في إيران وتكشف زيف اتهامات طهران لواشنطن بأنها (الشيطان الأكبر ) أو ( رأس الحيّة ) وتعرّي حقيقة التصريحات النارية بين البلدين وتُظهر في النهار خلاف ما يُحاك في الليل من تحالفات وتبادل أدوار وتقاسمات تُشبع الطمع والجشع الاقتصادي للأمريكان وتحقق التوسع والطموح الديني والقومي للإيرانيين ، ولو كان ذلك على حساب الدين والمعتقدات والمباديء التي بات جليّاً حجم الاتجار بها .
“التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأمريكية” هو عنوان كتاب قيّم ، وثائقي و( فضائحي ) يكتسب أهميته في أنه صدر في بلاد الغرب وليس في بلاد العرب ، وبالتالي تنتفي عنه تهمة الشغف بالكلام عن الخيانات ونظريات المؤامرة .
الأهمية الأكبر لهذا الكتاب أيضاً هو أن مؤلفه متخصص حتى النخاع في الشأن الإيراني ، بل إن أصله إيراني ، واسمه “تريتا بارسي” وُلد في إيران ونشأ في السويد وحصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية لينال بعدها شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة “جون هوبكينز” في رسالة عن العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية ، ويصبح أحد أهم الخبراء في السياسة الخارجية الأمريكية ويرأس المجلس القومي الأمريكي الإيراني .
الكتاب عبارة عن كمّ هائل من المعلومات والوثائق التي تكشف طبيعة العلاقات والاتصالات التي تجري بين هذه البلدان ( إيران ، إسرائيل ، أمريكا ) حيث استطاع “تريتا بارسي” جمعها من خلال مقابلته لأكثر من (130) مسؤولاً رفيعي المستوى في هذه البلدان الثلاثة ، وبالتالي شرح في كتابه الآلية التي تتواصل من خلالها حكومات الدول الثلاث وتصل من خلال الصفقات السريّة والتعاملات غير العلنية إلى تحقيق مصالحها على الرغم من الخطاب الإعلامي الاستهلاكي للعداء الظاهر فيما بينهم ، أي أن التصريحات في وادٍ بينما التصرّفات والممارسات في وادٍ معاكس .
كتاب ” التحالف الغادر ” يكشف أن الإيرانيين وجدوا في غزو العراق عام 2003م فرصتهم لعقد صفقة سرية مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر الاستجابة لما تحتاجه , مقابل ما ستطلبه إيران منها. ووفقاً لمؤلف الكتاب “تريتا بارسي” فقد تم تقديم اقتراح ببنود هذه الصفقة عبر وسيط سويسري اسمه (تيم غولدمان) نقله إلى وزارة الخارجية الأمريكية بعد تلقّيه من السفارة السويسرية في شهر مايو 2003. وتتضمن هذه الصفقة السرية برنامج إيران النووي وأسلحة الدار الشامل , سياستها تجاه إسرائيل , ومحاربة القاعدة،الإرهاب والأمن الإقليمي, التعاون الاقتصادي.
ومن المفارقات المذكورة في هذا الكتاب أيضاً أنّ اللوبي الصهيوني في أمريكا كان من أوائل الذي نصحوا الإدارة الأمريكية في بداية الثمانينيات بأن لا تأخذ التصريحات والشعارات الإيرانية المرفوعة بعين الاعتبار لأنها ظاهرة صوتية لا تأثير لها في السياسة الإيرانية.
نتمنى أن تولي مراكز الدراسات والتوثيق في وطننا العزيز أو بلداننا الخليجية أو أن تتبنى الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مسألة جمع هذه النوعية من الكتب القيمة عن الخطر الإيراني ومنهجيته ، فتترجمها وتنشرها حتى لاتبقى الشعوب الخليجية غائبة عن حقيقة ما وراء الهستيريا الإعلامية بين ثالوث الخطر الذي بينه الأستاذ والخبير الأمريكي في العلاقات الدولية “تريتا بارسي” .
ســانحة :
– قال الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 9/2/2002 ” إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وأنه لو لم تساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني “
– قال السيد محمد على أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية في تصريح مشهور جداً في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبو ظبي بتاريخ 15/1/2004 ” أن بلاده قدمت الكثير من العوْن للأمريكيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق” ومؤكدًا أنه ” لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة” .