راصد

نسبة الـ (70%)

من أين جاءت هذه النسبة ؟ وكيف تم احتسابها ؟ هو سؤال لطالما حاولت أن أجد إجابة عليه كلما سمعت أو قرأت أو شاهدت في عدد من وسائل الإعلام خاصة المحسوبة على أجندات معينة كلاماً عن أن الطائفة الشيعية هم الأكثرية في البحرين ، وأن نسبتهم (70%) وبعضهم زادها إلى (90%) .

بحسب منطق الأشياء ؛ من المفترض أن هذه النسبة تنتج عن إحصائية أو تعداد سكاني تم إجراؤه وقاموا خلاله بفرز المواطنين طائفياً ووزعوهم مابين سني وشيعي ، توصلوا على إثر هذا التقسيم  إلى أرقام بعدد السكان السنة وأرقام أخرى بعدد السكان الشيعة  . لكن بحسب المعلومات المتوفرة وذاكرة الوعي الجمعي لدى المواطنين على مدار العشرين سنة الماضية – على الأقل – لم تُجر الجهة المختصة بالإحصاء والتعداد ، أو أي جهة أخرى تعداداً قام على هذا الأساس.

بمعنى أن جميع التعدادات السكانية السابقة ، التي كان الموظفون يمرّون على المنازل والمحلات ( زنقة زنقة ) في جميع مدن وقرى البحرين لم يكن في استمارات التسجيل وأسئلتها أي سؤال عن الطائفة والمذهب ، وبالتالي من أين جاءت هذه النسبة ؟!

إذا تركنا مسألة التعداد فإنه أيضاً جميع الوثائق والمستندات الثبوتية للمواطن ، سواء شهادة ميلاده أو بطاقة هويته أو جواز سفره أو رخصة قيادته للسيارة أو ملفه الصحي وحتى بطاقة الصراف الآلي لاتتضمن أية إشارة لهوية طائفته ، سني أو شيعي .

هذا التصنيف ( سني وشيعي ) غير مسجل بصفة رسمية ومكتوبة في المدارس والجامعات ومنشآت ومؤسسات الأعمال ووزارات وهيئات الدولة ، وغير مسجل أيضاً في هيئات التقاعد والتأمين . في الواقع لا يوجد أي بيان أو وثيقة أو قاعدة بيانات نستطيع من خلالها معرفة أن احتساب السنة والشيعة يتأتى من خلالها .

أيضاً لايمكن الاستناد في هذه النسبة إلى نتائج الانتخابات النيابية والبلدية وما تفرزه من أصوات ذهبت لممثلي الطائفة السنية وأصوات رجحت ممثلي الطائفة الشيعية ، وذلك لأن الدوائر الانتخابية المختلطة بالطائفتين أكثر من الدوائر الانتخابية المغلقة على طائفة معينة . كما أن الكتلة الانتخابية لاتمثل جميع السكان وإنما هي كتلة تشمل من تنطبق عليهم شروط معينة من السكان ، وفوق ذلك فإن نسبة من شاركوا في الانتخابات من المسموح لهم والمنضوين في الكتلة الانتخابية لم تتعدّ (65%) . للتوضيح أكثر ؛ فإنه على سبيل المثال في الانتخابات النيابية الأخيرة 2010م ، بلغ مجموع الكتلة الانتخابية المحرقية – لايمثلون جميع سكان المحرق – في دوائرها الثمان ( 57233) ناخباً لكن الذين شاركوا منهم في الانتخابات (29747) ناخباً فقط . أي أنه يصعب الاعتماد على العملية الانتخابية في تحديد نسبة السنة أو نسبة الشيعة ناهيك عن أن البطاقات الانتخابية أيضاً خالية من هذا الفرز الطائفي .

وبالتالي ، وفي ظل عدم وجود مصدر أو وسيلة واضحة ومعروفة ومعتمدة ومعلنة أفرزت المواطنين مابين سني وشيعي وقامت بعدّهم وتوصلت بمنطق الأرقام والحساب إلى أعداد ونسب كل طائفة ؛ فإن كل رقم يظهر في هذا الصدد ، سواء (70% ) أو (50%) أو (90%)  أو غيرها لا يمكن الاطمئنان إلى صحته والوثوق في مصداقيته مادام أنه لم يكن محصلة لعمليات حساب وإحصاء توفرت لها المعايير الرياضية المفترضة للوصول إليها.

وتبعاً لذلك فإن نسبة الـ (70%) ،أقل أو كثر ، إنما تبقى مجرّد إشاعة جرى تسويقها أو كذبة – ضمن أكذوبات كثيرة – تم الترويج لها وتصديقها قبل أن تفضحها الأحداث المؤسفة التي مرّت على وطننا العزيز ، خاصة حينما ظهر للعيان هيبة وضخامة المكوّن الآخر للمجتمع البحريني في تجمع الفاتح ، وهو التجمع الذي ضرب في مقتل نسبة الـ (70%) وجعلها غير صالحة للاستعمال مرة أخرى حتى أن بعض الأبواق ، خاصة في الخارج ، لم يطيقوا صدمة تحطم نسبة الـ (70%) وانكشافها ، فأخذوا يروجون سالفة  بلطجية ، هولة ، قبايل ، مجنسون … إلخ .

على العموم من يتكلم عن مطالب شعبية ووطنية لايتناسب أن يقرنها بأرقام ونسب طائفية – لاندري من أين استقاها – تضعف في نهاياتها مقاصد مطالبه وتحجرها في زاويتها الطائفية وتثير حولها الكثير من الشكوك والمخاوف .

سانحة :

أثناء تشرفنا يوم الثلاثاء الماضي ككتّاب وصحفيين بلقاء جلالة الملك المفدى حفظه الله تحدّث عما يردّده البعض عن هذه النسب وقال جلالته ما أحبّه وأتمنى سماعه أننا (100%) بحرينيين .

أضف تعليق