راصد

الفورمولا .. وصورة جديدة

في الحقيقة ، قلت أكثر من مرّة أنني أدرك تماماً أني لا أملك فطنة أهل المال والاقتصاد ولا حنكة رجال الأعمال والمستثمرين ولا حكمة التجّار ودهاءهم ، لكنني – لكني كغيري من الناس – نبذل ما في وسعنا لفهم الأمور إن جاءت على غير ما نراه ونعرفه ونتوصل إليه من خلال البيانات والأرقام . لا يمكنني أن أقول عن اللون أسود أنه أبيض طالما أن حاسّة البصر لدي لا ترى هذا البياض المشار إليه . وأنا أيضاً – كغيري من الناس – لابد أن نفهم بصورة واضحة ودقيقة وواقعية ( وهو الأهم ) الفرق بين الأرباح والخسائر ، والفرق بين المشروعات الناجحة والفاشلة ، والفرق بين العوائد المجزية وغير المجزية .

صحيح أننا فرحنا بمناسبة حصول البحرين على الموافقة مجدداً لإقامة سباق الفورمولا في شهر أكتوبر القادم كدلالة على استتباب الأمن والاستقرار في ربوع الوطن وزوال غمّة الأحداث المؤلمة التي مرّت علينا ، ثم بلغ حزننا مداه حينما تم التوافق على إلغائه هذا العام بعد حرب تشويه ضروس أصرّ البعض على إتقان أدوار متعددة ومتنوعة في خيانة الوطن أدت إلى هذه النتيجة . لكننا في غمرة تلك الفرحة وهذا الحزن لابد أن نعود فنقول : لماذا هذا المشروع – الفورمولا – خالي من الأرباح ، بل اصطفت إخفاقاته منذ بدايته في خانة الملايين رغم الترويج والاهتمام و( الهالة الإعلامية ) التي تصاحبه ؟

من حقنا كدولة محدودة الموارد والثروات ، وتعاني ميزانيتها من عجوزات تحدّ من قدرة الحكومة على زيادة رواتب موظفيها ، ويظهر كلام بين حين وآخر عن توجهات لإعادة توجيه الدعم الحكومي لبعض السلع والخدمات ؛ سيكون من الصعب فهم واستيعاب استمرار أن تتكبد حلبة البحرين ( الفورمولا ) كل هذه الخسائر وعدم قدرتها على تغطية تكاليفها ، وهذا الكلام لا نقوله افتراء ، وإنما سجلته ورصدته تقارير ديوان الرقابة المالية في الدولة على مدار السنوات الماضية حيث بلغت صافي خسائر الفورمولا في عام 2007م (10.6) مليون دينار وفي عام 2008م (25.1) مليون دينار وفي عام 2009م (17.4) مليون دينار . بالتأكيد أن مثل هذه الخسائر المليونية مدعاة لإعادة النظر والبحث في مسبباتها لأنه المفترض أن إقامة مثل هذه البطولات والمسابقات والمناسبات تكون مصدر دخل للدولة ، وتحقق إضافة رقمية محسوسة في أرقام ميزانيتها ، وليست مغرماً أو عبئاً عليها تتحمله ميزانياتها من دون مقابل ! لا يكفي الآن بعد مرور كل هذه السنوات على تنظيمها وتراكم هذه الخسائر المليونية بشكل سنوي أن يظهر مسؤول هنا أو هناك ، فيعظّم من إيجابياتها ونجاحاتها ويبالغ إلى حدّ القول – مثلاً – أن الفورمولا قد وضعت البحرين على خارطة العالم !!

ليس الفورمولا وحده المعني ، فهنالك كثرة من المشروعات يتم الإعلان عن خسائرها والدعم الذي تقدمه الدولة لها إلى حد اقتراض الملايين لأجلها ثم لا يرضى المسؤولون بوصفها مشروعات فاشلة أو خاسرة وإنما يقولون أنها ناجحة ولها مردودات اقتصادية ويضيعوننا بـ (سالفة ) العوائد غير المباشرة التي صار المواطن يتساءل ماذا يفعل بهذه العوائد غير المباشرة بينما تطحنه الظروف المعيشية الصعبة وتعوزه الحاجة له ولأبنائه وأسرته وتحاصره الديون والقروض من دون أن يشعر بأي طاريء ملموس لتحسين أوضاعه وسويّة حياته من هذه المشروعات والشركات العملاقة التي يتم البذخ عليها بملايين الدنانير انتظاراً لعائد ومردود يُقال له إنك لا تراه لكنه موجود بالرغم من أن ألفاظ مثل : ( خسارة ) أو ( عجز ) أو ( صفر ) لا تحتمل كثيراً من التأويلات والتفسيرات .

إنها فرصة من الآن وحتى الموعد الجديد لإقامته في الربع الأول من العام القادم ، تُجرى المراجعات لفهم أسباب هذه الخسائر والإخفاقات ، ودراسة مدى مناسبة العوائد غير المباشرة – التي يتحدثون عنها – قبال هذه الخسائر المليونية السنوية المستمرة . التعرف على الخلل ومكامنه ، هل هو في الإدارة أو التسويق أو ما شابهها من أمور بات من اللازم الوقوف عليها مادامت قد أتيحت هذه الفرصة الزمنية ، فلربّ ضارة لكن يمكننا الانتفاع بها ، وأفضل أنواع النجاح هو أن تحوّل ما يعتقده البعض ضعف وخسارة إلى قوة وإيجابية . ولذلك نتمنى من كل قلوبنا أن تعود الفورمولا إلى البحرين في العام القادم أكثر صلابة ولها مردودات مباشرة على دخل الدولة وميزانيتها ، وبدون تلك الخسائر المليونية .

أضف تعليق