الجن عالم آخر لهم حياتهم ومعاشهم وأكلهم وشربهم ، ولهم أماكن يسكنـون فيها أو مختصة بهم ، لكن أجدادنا وآباؤنا وأمهاتنا جعلوا من قصصهم موروثاً شعبياً خصباً وصنعوا منها شخصيات صيغت بشأنهم حكايات وأساطير ، بعضها حقيقية وأخرى من نسج الخيال وأكثرها شهرة هي تلك القصص التي ارتبطت مسمياتها بأغراض وأهداف التخويف والإرهاب ، طبعاً إرهاب الأطفال والصغار عن أن يرتكبوا شيئاً ترفض الأمهات قيام أبنائهم بعمله .
تسـميات كثيرة لهذه الشـخصيات مثل ( أم الخضر والليف ) و ( السـعلوة ) و ( الخبابة ) و( طنطل ) لكن لعلّ ( أم حمار ) أو ( إحمارة القايلة ) من أشهرها . وتعرّفها الحكايات الشعبية على إنها امرأة لها وجه إنسان ورجلي حمار وهناك من يزعم إنها تظهر على شكل رجل أيضا ، وبعضهم يقول أن نصفها امرأة ونصفها الآخر شكل رجل لكن المتفق عليه أنها مزدوجة الشكل متناقضة النوع ، فنصفها حيوان ونصفها الآخر آدمي . ويُشاع أن ( إحمارة القايلة ) لا تظهر إلا وقت اشتداد حرارة الشمس وتوسطها السماء ظهرا وكانت توصف كأنها وحش تدوس كل ما تراه أمامها من الأولاد الصغار ، ثم تأكلهم. ومن خلال هذه الحكايات والقصص كانت الأمهـات تتمكن من منع أطفالها من الخروج وقت الظهر .
غير أنه ينبغي الآن الحذر ، الحذر ؛ فقد عادت للظهور مجددا شخصيات على غرار ( إحمارة القايلة ) التي كانت أمهاتنا يخوفوننا منها وينسجون قصصا وحكايات عنها تتسم بالغرابة. إذ أن هذه الشخصيات لم تدخل في موروثنا الشعبي اعتباطاً وإنما يمكن القول بإمكانية تكرار ظهورها مع فارق ذاك الزمان والمكان ، وبأشكال وهيئات مختلفة لكن يبقى أساس ازدواج شخصيتها وتناقضها وتأرجحه بين الحيوانية والآدمية وهدف تخويف الناس منها كما هو دون تغيير .
اليوم ؛ ( إحمارة القايلة ) الجديدة يمكن أن تكون شخصية طبيعية أو اعتبارية ، وقد تجدونها في أماكن عديدة ، وهي لا تأبه بالأضداد ، فقد تفعل اليوم شيئاً وغداً تحاربه ، وقد تظهر حيناً بموقف ثم لا تلبث أن تغيره ، تدعي أخلاق البشر لكنها تمارس حياتها كالحيوانات ، وقد تطلب الاحترام في النهار لكنها تخلعه عندما يأتي الظلام وقد تلبس الحجاب في الصباح لكنها تدور على ( حلّ شعرها ) في الليل ، وقد تظهر ابتسامات لكنها تخفي وراءها أحقاد وأضغان . وقد تظهر خوفها على الوطن وترابه لكنها تطعن خاصرته في الخارج ، وقد تظهر صداقة بينما تضمر عداوة وتآمر .
وهكذا ( إحمارة القايلة ) التي نتكلّم عنها اليوم تتلبس أدواراً وأشكالاً متعددة بحيث أصبحت عالم كبير من التناقضات التي يصعب الجمع بينها كالأمانة والخيانة أو الصدق والكذب أو النظافة والقذارة أو الحب والتآمر أو الإخلاص والنفاق وما شابهها من متضادات يستحيل التئامها في شخصية – طبيعية أو اعتبارية – لولا أن ( إحمارة القايلة ) استطاعت الجمع بينها حسبما هو مبين وثابت في موروثنا الشعبي .
ســانحة :
بعد فوز حزبه – العدالة والتنمية – للمرة الثالثة على التوالي في الانتخابات التركية ؛ قال رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء في خطاب الانتصار : ” نحن لسنا أسياداً على هذه الأمة ، بل نحن خدم لهذه الأمة “