في شهر مايو من العام 2003م قدّم رئيس ومدير التحرير في صحيفة ” نيويورك تايمز ” الأمريكية استقالتهما بعد كشف فضيحة للصحفي جيسون بلير تتعلق بنحو (36) تقريراً وتحقيقاً قام هذا الصحفي بكتابتها اعتماداً على الفبركة والتزييف والتلفيق . الأمر الذي أصاب مصداقية هذه الصحيفة الواسعة الانتشار في العالم بهزة عنيفة أدّت إلى أن يقدّم رئيس تحريرها هاويل رينز ومدير تحريرها جيرالد بويد استقالتهما من الصحيفة بعد عمل في الصحيفة دام أكثر من عشرين عاماً.
وأعلن حينها مالك الصحيفة وناشرها آرثر سلزبرجر احترامه الشديد لزميليه المستقيلين وقال بأنهما قدّما الصالح العام على صالحهما الشخصي انطلاقاً من مبدأ انتمائهما للصحيفة العريقة. وبيّن مالك الصحيفة أن القرار يأتي في صالح مصداقية الصحيفة ومكانتها عند جمهورها وهو ما دفعه لقبول استقالتهما رغم علمه بأنهما اثنان من رموز المؤسسة. وقالت الصحيفة معلّقة على هذه الفضيحة إن ” الضرر الذي سببه للصحيفة والعاملين فيها لن يمحى كلياً الأسبوع المقبل أو الشهر المقبل أو حتى الأعوام المقبلة ، وذلك لأنه عمل خطير يؤدي إلى فقدان الثقة في احترافية الجريدة ونزاهتها، ويؤثر بالتالي على مقروئيتها وتتبعها ” .
وفي شهر يوليو الماضي قدم السيد آندي كولسون مدير المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون استقالته من وظيفته لوجود اتهامات له بالضلوع في فضيحة تنصت قامت بها صحيفة ” نيوز أوف ذا وورلد ” التي كان يرأس تحريرها سابقاً !
وبعد أن قدّم كولسون استقالته أعلن مالك الشركة الملياردير الشهير روبرت ميردوخ إغلاق صحيفته ” نيوز أوف ذا وورلد ” وهي الصحيفة التي صدر عددها الأول عام 1843 والتي بحسب إحصاءات 2010م تحتل أعلى رقم توزيع في المملكة المتحدة ، وهو ( 2.812.005 ) نسخة أسبوعيا ، وذلك على إثر إعلان أجهزة الـ” سكوتلانديارد ” عن فضيحة تورط الصحيفة في (4000) عملية تنصت محتملة على المشاهير والسياسيين . وبالفعل تقرّر أن يكون عددها الصادر في 10 يوليو 2011م هو آخر عدد لهذه الصحيفة التي مضى على تأسيسها (168) عاماً وقد تصدر افتتاحيته عبارة : ” ببساطة لقد ضللنا طريقنا.. هناك أخطاء ارتكبت .. لقد تعرضت هواتف أشخاص للقرصنة ، والصحيفة تأسف لذلك أسفا شديداً ” وهكذا اختفت صحيفة ” نيوز أوف ذا وورلد ” لتعطي درساً بالغاً تجاه احترام مهنة الصحافة ووظائفها وأدواتها المفترضة لتوجيه الرأي العام وطرق تأثيرها في مجتمعها ، والأهم من ذلك تحمّل المسؤولية السياسية والأخلاقية والمهنية .
الأحداث الصحفية الثلاثة كانت في أمريكا وبريطانيا ؛ أما في البحرين فقد صُدم المجتمع في شهر أبريل الماضي بكشف فضيحة موثقة بالكلمة والصورة وبالأدلة القاطعة تتعلق بقيام صحيفة الوسط بنشر مجموعة من الأخبار والصور المفبركة تم رصدها خلال الفترة من 25 – 28 مارس 2011 اعتمدت على نشر أخبار وصور قديمة قد نشرت في صحف عربية ومحلية ومواقع الكترونية ومنتديات مع تغيير فقط أسماء الأشخاص – تبين أيضاً أنها أسماء وهمية – وإبرازها على أنها أحداث وقعت في البحرين بينها صور تتعلق بأحداث خارجية بعضها وقع في فلسطين المحتلة والمغرب ، بشكل ينبيء بمقدار كبير من تعمّد الإساءة للبحرين وتضليل فاقع للرأي العام المحلي والخارجي والتعدّي على النزاهة والحرفية والمهنية الصحفية التي كان من نتاج المساس بها والإساءة إليها أن قام هاويل رينز رئيس تحرير نيويورك تايمز الأمريكية بتحمل مسؤوليته السياسية والأخلاقية وتنحى عن رئاسة واحدة من أعرق الصحف الأمريكية ، قضى فيها مايقارب العشرين عاماً بسبب فضيحة وعمل غير أخلاقي ارتكبه أحد المحررين في صحيفته. وقام آندي كولسون مدير المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بتحمل مسؤوليته واعتزل منصبه بسبب فضيحة ارتكبتها صحيفته التي كان يرأس تحريرها . بل هاهي صحيفة ” نيوز أوف ذا وورلد ” تتحمل مسؤوليتها وتضحي بمسيرتها التي تجاوزت أكثر من قرن ونصف وتقرر إغلاق نفسها بسبب فضيحة مهنية أخرى أيضاً تتشابه كلها في فداحتها وإساءتها مع ماقامت به الوسط ولا تختلف عنها إلاّ في مسألة تحمّل المسؤولية حيث صحيفة ” نيويورك تايمز ” الأمريكية استقال رئيس تحريرها ومديرها ، وصحيفة ” نيوز أوف ذا وورلد ” البريطانية استقال رئيس تحريرها وأغلقت نفسها بينما صحيفتنا البحرينية لم يتغير عليها شيء ، ولم يتحمّل ملاكها أو رئيس تحريرها مسؤولياتهم رغم أن أمريكا وبريطانيا بمثابة ( القبلة ) التي يتوجّه إليها البعض ، يسبحون لها ويستشهدون بها ويلجأون إليها لكنهم لم يحذون حذوهما ..