نافذة الجمعة

رسالة وزير العدل ومفارقة التقديس والتسقيط

انتابتني حالة من الاستغراب عندما طالعت رسالة معالي وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الموجهة للشيخ عيسى قاسم وما تبعها من ردود أفعال أحسب أنها مبالغة جداً ولاتتناسب مع الرسالة الموجهة ، والتي إن أسأنا قراءتها أو أسأنا الظن فيها ( أسأنا الظن فيها) فإنها لم تتضمن أي مساس أو إساءة من سبّ أو شتم أو تعدّي أو إهانة ، وذلك بخلاف ماتضمنته ردود الأفعال تلك من سبّ وقدح وتسقيط وشتم بحق الوزير الفاضل وتهديد ووعيد وما شابهها من ألفاظ وعبارات تزيدنا خوفاً على خوف من نوع الدولة أو النظام الذي يُراد له أن يسود في مجتمعنا ، نظام لا يُسمح فيه للوزير – ممثلاً للدولة – أن يمارس سلطاته وصلاحياته على من ينطوون تحت نطاق اختصاصاته وأعمال مسؤولياته !!  نظام يطالب ببسط سلطة قوانين معينة والانفلات من تطبيق قوانين أخرى ، نظام يرفع رموزاً إلى درجة التقديس ويحطّ من قدر رموز إلى درجة التسقيط .

لا أقول ذلك دفاعاً عن رسالة وزير العدل ؛ فالرسالة – مهما قيل في تأويلاتها – لاتخرج عن كونها تنبيه صدر من جهة مسؤولة عن الأئمة وخطباء المنابر قدّرت ضمن مسؤولياتها ومتابعاتها أن خطيبا ما – أي خطيب – قد خالف تعليماتها بشأن الخطابة الدينية أو استغلّ منبر الجمعة لشأن ارتأت هذه الجهة المسؤولة بحكم اختصاصاتها ومسؤوليتها أنه يضرّ بالبلد أو وحدته الوطنية أو ما شابه ذلك من أمور يكون من صميم عمل الجهة المسؤولة وواجباتها التنبيه إليها ، وأعتقد أن رسالة الوزير للشيخ عيسى قاسم ؛ هي في هذا الإطار ، وذلك إذا أردنا أن نقول أننا في دولة مدنية ، دولة مؤسسات وقانون وليس دولة أخرى .

غير أنه أمام ردّات الفعل الغاضبة هذه ، يستوجب أن نسمَّ الأشياء بمسمياتها ، فنتساءل : من هي الشخصيات أو الرموز التي يجب ألا تمسّ ؟ وكيف ننتقد أعمالها واجتهاداتها وآراءها ومواقفها ؟ وماهي هذه الرمزية التي نغضب كل هذا الغضب إزاء رسالة – مجرد رسالة – لم تخرج عن حدود اللياقة والأدب بينما يعرف هؤلاء الغاضبون أن رموزاً أخرى في الوطن أيضاً تم توجيه إساءات بالغة لها ، وتم إهانتها وتمزيق صورها وتسقيطها على مرأى ومسمع من هؤلاء الغاضبين اليوم أنفسهم على رسالة تم توجيهها لرمز لديهم ليس فيها شيء من تلك الإهانات والإساءات !

مثلما أن لديكم رموزاً تغضبون وتفزعون للإساءة لها فإن لدى الآخرين رموزاً أيضاً لايرضون المساس بها ويسوؤهم التعدّي عليها وإهانتها على النحو الذي رأيناه في دوّار هؤلاء الغاضبين ومسيراتهم واعتصاماتهم . ومثلما أن لديكم علماء تبجلونهم كل هذا التبجيل فإن لدى الآخرين علماء أيضاً يحزننا التطاول عليهم . بل إن قلوبنا لتدمي حزنا وتفيض الدموع من مآقيها حينما يتجرأ البعض منكم على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم من دون أن يحرّك هذا التجرأ والتطاول ساكناً أو جزءاً بسيطاً من حمية الغاضبين اليوم وثائرتهم على رسالة وزير العدل للشيخ عيسى قاسم!! والصحابة ؛ هم من قال عن رمزيتهم وعلوّ مكانتهم  ورفيع شأنهم سيد البشر صلى الله عليه وسلم : ” ( لا تسبّوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد – يقصد جبل أحد –  ذهباً ما أدرك مدَ أحدهم ولا نصيفه ) .

يجب أن نحترم العلماء ونجلَّ قدرهم ونرفع من مكانتهم ونمنع المساس بشخوصهم، هم وسائر الرموز الدينية والوطنية والتاريخية ، ولابد أن تسير حميتنا وردود أفعالنا بالتساوي على هذا الأساس ، فليس من الصحيح أن نقيم الدنيا ولانقعدها بسبب مانعتقد أنه مساساً برمز ما ثم أمام إهانة وتعدّ سافر وواضح على رمز آخر تجد هذه الجموع الغاضبة تلوذ بالصمت المريع !!

أضف تعليق