نافذة الجمعة

القبض على عمدة واشنطن !

سيادة القانون ، مصطلح ارتبط تفسيره دائماً بسيادة الدولة وقدرتها على تطبيق حكم القانون بكل عدالة ومساواة على جميع مواطنيها ، عامتهم وخاصتهم ، كبيرهم وصغيرهم ، بغض النظر عن انتماءاتهم أو مراتبهم أو مناصبهم التي يحتلونها في الحياة العامة . وهيبة الدولة إنما تُستمد من مدى التزامها وقدرتها على إنفاذ سيادة القانون مهما كانت النتائج طالما أن هذه السيادة توافرت فيها القواعد القانونية التي تحفظ انتظام وسيرورة المجتمع ، تكفل الحقوق وتحدّد الواجبات في آن واحد.

 في العلوم السياسية يقولون أن “سيادة القانون” تعتبر شرطاً مسبقاً للديموقراطية ، بمعنى أن التفريط في بسط سيادة القانون أو تمييعه أو تجاوزه مسألة لاتستقيم مع الديموقراطية ولاتناسب أجوائها ومتطلباتها , ولذلك فإن الدول ذات الديموقراطيات العريقة لا يمكنها السماح بأي مساس في سيادتها القانونية مهما كانت الذرائع .

فهاهي – على سبيل المثال – الولايات المتحدة الأمريكية تلقي القبض في شهر أبريل الماضي على مجموعة قوامها (41) شخصاً شاركوا في مظاهرة بواشنطن احتجاجاً على تخفيض الميزانية الاتحادية الأمريكية وعطّلوا السير في شارع بالقرب من مبنى مكتب تابع لمجلس الشيوخ الأمريكى ، وأعلنت الشرطة أن هذا التجمع غير قانوني . والأمر الأهم في هذا المثال أنه من بين المقبوض عليهم في هذه التظاهرة غير القانونية أعضاء في المجلس المحلي للمدينة ، بل كان معهم عمدة واشنطن فنسنت جراى !! بمعنى أن سيادة القانون لم تمنع السلطات الأمريكية من القبض حتى على عمدة واشنطن نفسه وأعضاء مجلسه لمشاركتهم في مجرّد تظاهرة صغيرة غير قانونية عطّلت السير في أحد الشوارع !

وهاهي – أيضاً على سبيل المثال – بريطانيا تتمكن في شهر أغسطس الماضي، وخلال أسبوع واحد من إخماد أعمال عنف اندلعت في مدينة توتنهام وامتدت في عدد من مدنها لتكون محصلة المقبوض عليهم في حوالي أسبوع واحد فقط أكثر من (1200) شخص ، وكلنا رأينا كيف تعاملت الشرطة البريطانية مع المتظاهرين . وحينذاك أعلن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني أمام جلسة طارئة للبرلمان أن ماحدث ” إجرام بحت ، لا أعذار له بأي شكل كان ، الأمر لا يتعلق بالسياسة ، لن نتحمّل هذا في بلادنا ، الجريمة لها خلفيات ،  وهي ليست مشكلة فقر بل ثقافة ، ثقافة عنف وعدم احترام السلطة ” ووصلت إجراءات فرض سيادة القانون حينذاك أن أعلن كاميرون أن  قاطني المنازل التي توفرها البلديات بأجور أرخص نسبيا ، يطردون منها ، في حال اتضح أنهم متورطون في أعمال الشغب التي حصلت.

لن أستطرد في ذكر أمثلة عن محافظة هذه الدول – أمريكا وبريطانيا وشرواهم – على هيبتها وسيادة القانون فيها وعدم قبولها بما تبيعه على دولنا من ( فوضى خلاّقة ) لايمكنها أن تقبل بحصول جزء منها على أراضيها وشوارعها وميادينها ، لكن من المهم الاعتراف بأن جزءاً كبيراً مما وصلنا إليه كان بسبب الاستهانة ببسط سيادة القانون والتفريط في فرضها .

سانحة :

سيادة القانون عندنا تتطلّب أن يتفهم جميع المسؤولين بمن فيهم الوزراء وأعضاء مجلس الشورى والسادة النواب أنهم ليسوا فوق القانون ، وعليهم أن يمارسوا حياتهم وشؤونهم ، صغيرها وكبيرها ، حتى سير مركباتهم في الشوارع على هذا الأساس .. نحتاج إلى قدوات .

بدون تعليق :

في مثل هذا الوقت من العام الماضي 2010م ؛ دشّنت جمعية الوفاق حملتها الانتخابية للبرلمان بكتاب أصدرته عن إنجازاتها في مجلس النواب ، وجاء في صدر الصفحة الأولى منه ، مايلي : ” المقاطعة تعني تعميق وتقنين مزيد من تشريعات الإقصاء والتهميش ” .

أضف تعليق