راصد

من أسباب خسارتنا الإعلامية

نعم ، نؤكد على ماقاله فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود في خطبة الجمعة ، ويمكننا أن نقول بأعلى أصواتنا ، أن النجاح لم يحالفنا في معركتنا الإعلامية ، وأن هنالك إخفاقات وممارسات تراكمت عبر السنين الماضية جعلت من إعلامنا خافتاً ، باهتاً ، بدون طعم ولا لون ، وبالتالي لا تأثير له خاصة عند الملمّات وحينما نحتاجه أن يكون في مركز الفعل والمبادرة .

ليس الاتهام موجهاً – بالدرجة الأولى – إلى وزارات الإعلام السابقة أو إلى هيئة شؤون الإعلام حالياً لكننا نعرف أن الإعلام ، سواء كوزارة أو هيئة قد خضعت خلال السنوات القليلة الماضية لعدة عمليات جراحية ، جلّها غير مكتملة ، وتناوب على رأس هرمها في تلك السنوات القليلة عدد من الوزراء ، غالبهم ليسوا من ذوي المؤهل والخبرة والاختصاص الإعلامي . وللأسف الشديد فإن التغيير والتطوير في وزاراتنا ومؤسساتنا يرتبط أكثر مايرتبط بشخص الوزير، فيُصار تبعاً لذلك إلى أنه حينما يأتي وزير في أي وزارة يمكن أن ينسف جهود وإنجازات سابقيه ويبدأ في خطط تطوير وإعادة تنظيم وفحص وتشخيص فتتوصل إمكانياته وقدراته واستشاراته وأموال وزارته  إلى وضع خطة أو استراتيجية ( ما أكثرها )  ، ثم يبدأ العمل بها حسب استنتاجاته ورؤيته ، ولكن حينما يتبدّل هذا الوزير ويأتي وزير آخر يبدأ التشخيص من جديد ، فترمى الاستراتيجية السابقة ويبدأ من جديد ! وهكذا افتقدت وزارة الإعلام عنصر الثبات على استراتيجية – إذا افترضنا وجودها – وضاعت عنها فرص الفحص والتقييم وبدا واضحاً أن الغلبة في مسارها للترقيع أو لردّات الفعل .

غير أن المشكلة الأكبر في الإعلام تكمن في ممارسة أوجدناها وصنعناها وارتضيناها كنمط سائد غير قابل للتغيير ، إن طريقة تناولنا للأخبار وعرضنا للإنجاز وإبرازنا للأشخاص هي مشكلة المشاكل ، حيث تعاظم لدى شخصياتنا العامة من وزراء ووكلاء ونواب وشوريين وبلديين وما شابههم من مسؤولين حب الظهور والاستخدام الصحفي والإعلامي المفرط لصورهم وأسمائهم على حساب الإنجاز أو الفعل الحقيقي أو المكان الطبيعي للخبر والتصريح ، وعلى هذا الأساس ضاعت المكوّنات الأساسية للخبر المستحق للنشر وانحصرت صياغته أو أهميته لدينا في شخوصه وليس في أحداثه حتى غدا مسؤولينا كـ ( الكاميرات المتحرّكة ) لاترتاح أنفسهم يومياً إلا برؤية صورهم وأسمائهم في الصحافة والإذاعة والتلفزيون . 

لا أريد الدخول في تفاصيل أكثر لكن مضاعفات هذا المرض الذي نشعر الآن بآثاره أن البعض صار يرى – مثلاً – عندما يحضر مناسبة أو اجتماع أو لقاء ما ؛ أن أضواء كاميرات التلفزيون والصحافة أهم من موضوع الاجتماع ! وأن ما سيُنشر أو يُبث عبر  الأثير أولى من نتائج هذا الاجتماع ومتابعاته ! وأصبح الإعلان عن المشروع أكثر أهمية من تنفيذه ! وصار منتهى السعي والعمل هو الوصول إلى النشر الإعلامي !

في الحقيقة ، تزاحمت التصريحات والبيانات والاحتفالات بحيث وصلت الحالة إلى حد ما يمكن تسميته ( السّفه ) أو التهريج الإعلامي من أجل ما بات معروفاً لدى المزاج العام بـ ( شو ) . ولأجل هذا الـ ( شو ) يمكن عمل مسرحيات وتمثيليات تضيع فيها مشاكل الناس وتُستغلّ حاجاتهم ، وتضيع كذلك معها جهود وإمكانيات وأموال وأوراق وأضواء لو تم توفيرها واستغلالها فيما ينفع ويلمّع الوطن – وليس الأشخاص – لكان وضعنا أفضل.

قواعد :

–         هنالك علاقة طردية بين الفشل والـ ( شو ) الإعلامي ، بمعنى كلّما زاد هذا زاد هذا .  

–         الناجحون والمبدعون والمنجزون لايهمهم ظهور أسمائهم وصورهم .

–         الأحداث المؤسفة التي مرّت علينا غيّرت الوعي العام ، وجعلته أكثر قدرة على التمييز بين الحقيقة والتمثيل أو بين الغثّ والسمين . وينبغي احترام هذا التغيير ، ولابد أن تكون البداية – في اعتقادي – من الإعلام.

سانحة :

يقيني التام أن المؤتمر الصحفي الذي عقدته أمس الأول وزارة الصحة عن جريمة احتلال مستشفى السلمانية في شهري فبراير ومارس الماضيين ، والفيلم الوثائقي الذي تم إعداده عن هذه الجريمة ، والمعلومات المتعلقة بها التي تنتظر الإذن من النائب العام من أجل نشرها ؛ كل ذلك إنما هي أمور وجهود متأخرة ، نصنفها في الوقت الضائع ، للأسف الشديد .

أضف تعليق