راصد

إن طبّاخ السم أحياناً يتذوّقه

هو مثل شعبي شائع يقولونه في لغة أهل الشام ” طَبّاخ السّم بِيذُوقه ” ومعناه هو أن الإنسان لابد أن يستفيد من عمله ، ويحصل على نتيجة مقابل إشرافه على مهمة معينة ، وكما أن طباخ السّم من الممكن أن ينسى ويذوقه فكذلك المشترك في عمل ما لابد وأن ينال جزاءه منه . فإذا كان هذا العمل أو الطبخ سمّا فطباخه أجدر أن يتذوقه.

ومهما كانت عملية طبخ السم متقنة ومحاطة بهالة من السرية التي تبريء الطباخ من الجريمة فإن المولى عز وجل قد تكفّل بفضحه ، عاجلاً أم آجلاً ، لأن للكون ربّ عظيم يديره ، له موازين وتقديرات ليست كما البشر ، ولكن أكثر الناس لايعلمون ، بل ينسون هذه الحقيقة الكونية .

ولذلك ظلّت الدول الغربية ، بالذات منها أمريكا وبريطانيا في موقف التأزيم والتآمر على ما أسمته ثورات الربيع العربي أو ( الفوضى الخلاّقة ) تشجّع وتؤيد وتفرض عقوبات وحظر جوي وبحري وتتدخّل عسكرياً . وتطالب بإجراء حوار وتنفيذ إصلاحات وإطلاق سراح مسجونين وتنادي بمراعاة حقوق الإنسان والسماح بحرية التظاهر والاحتجاجات والمسيرات وترفض حتى عمل أي قيود عليها .

واستمرأت الإضرار بمملكتنا الغالية ، فاستقبلت مايسمونهم بـ ( المعارضة ) وأعطتهم آذاناً صاغية وفضلتهم على أية أصوات أخرى تنشد الموضوعية والعدالة في تبني الآراء والأحكام . وفتحت لهم هناك وسائل الإعلام ومختلف القنوات والمنظمات في صورة لا يمكن تبريرها من دون أن نشمّ معها رائحة التآمر والتواطيء ، بالضبط كما السّم عندما يتم طبخه .

كانت هذه الدول تتحدّث عن مثالية راقية جداّ في التعامل مع المتظاهرين ومعالجة أعمال التخريب وتمارس ضغوطاً شديدة على الدول العربية ومنها البحرين ، ولا تريد لهذه الأنظمة أن تحمي سيادتها وتطبق قوانينها وتراعي خصوصيات أوطانها وإقليمها وتمنع الضرر عن اقتصادها ومكتسباتها . كان الموقف الأمريكي والبريطاني – كما رأيتم وتابعتم – يندّد بقمع المتظاهرين وتدخل قوات الأمن حتى شاء المولى عز وجل أن يريهم في بلدانهم – أمريكا وبريطانيا – نموذجاً يختبر مصداقيتهم فيما يدعون الآخرين إلى الالتزام به ويذيقهم شيئاً من السّم الذي طبخوه مع غيرهم حيث تجرّعت في بريطانيا في شهر أغسطس الماضي ( سمّ ) أحداث احتجاجات توتنهام والشغب الذي طال عدداً من مدنها فضّلت معها السلطات البريطانية أن تضع ادعاءاتها عن الحريات وحقوق الإنسان جانباً أو ترميها بحراً ، وتُري العالم درساً هاماً في كيفية التعامل المفترض للدول عندما تريد حماية هيبتها وبسط سيادة القانون فيها ، وكلّها أسبوع واحد وتم إخماد هذه الاحتجاجات بالقوّة التي لم تخفيها الشرطة البريطانية وبالاعتقالات والمداهمات التي تم بثّها على الفضائيات دون خوف من ضغوط أو إرهاب طالما كانت المسألة تتعلق بتنفيذ القانون وحماية الأرواح والممتلكات العامّة والخاصّة .
ولم يمرّ شهر على تذوّق بريطانيا للسّم الذي طبخته حتى تبعتها أمريكا في تذوّقه عندما تجمّع آلاف من المتظاهرين في شارع وول ستريت في نيويورك بنية احتلاله وتحويله كميدان للتحرير بالضبط كما في الدول التي ساهمت أمريكا في طبخ وتوزيع سمّها عليها ، وذلك احتجاجا على الجشع والفساد والاقتطاعات في الميزانيات الاجتماعية الأمريكية . مثلما رأيتم لم تسمح السلطات الأمريكية للمتظاهرين باحتلال هذا الشارع الحيوي ، شارع المال والبورصة وقمعت وجود المحتجين فيه لا لشيء سوى حماية هيبة الدولة والقانون ومؤسساتها وفرض النظام غير عابئة بمطالباتها وضغوطاتها على الآخرين تجاه نفس العمل .
سانحة :
المساس بالأمن والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة خطوط حمراء لدى جميع الدول ، وإن السكوت أو التهاون بشأنها إنما هو ضرب لهيبة الدولة والقانون لا يمكنهم القبول به ، وأمريكا وبريطانيا ليست استثناء من ذلك ، والدليل ما حدث في توتنهام وول ستريت .

أضف تعليق