راصد

رسالة ابن العلقمي ووثيقة المنامة

لربما هنالك أوجه شبه مؤسفة بين وثيقة المنامة التي صدرت هنا في البحرين أواخر الأسبوع الماضي ومراسلات سيء الذكر والصيت ، مؤيد الدين الأسدي البغدادي، المعروف في سجل الصفحات السوداء من تاريخنا الإسلامي المجيد بابن العلقمي ، وزير المستعصم العباسي ، وصاحب الجريمة النكراء في الاستقواء بـ “هولاكو” على غزو بغداد وتمهيد طريقهم إليها لاحتلالها وغزوها. الوثيقة المذكورة تطالب في أجزاء منها بتدخل المجتمع الدولي وتكثيف ضغوطه وتنسيق أدواره فيما يخصّ تنفيذ مطالب المعارضة في البحرين بالضبط كما مراسلات ابن العلقمي ، أيضاً تطلب تدخل “هولاكو” مقابل مكسب سياسي يحصل عليه ابن العلقمي .
بين يدي مقالة قديمة كتبتها ابنة الرافدين دجلة الناصري في شبكة البصرة ، صاغتها على لسان ابن العلقمي نفسه ، كأبلغ تعبير عن فداحة جرمه وخيانته لأمته واستقوائه بالأعداء ، جاء فيها :
” أنا الوزير مؤيد الدين محمد بن حمد بن أبى طالب المشهور بابن العلقمي وزير الخليفة المستعصم بالله آخر خليفة بني العباس في عاصمة الخلافة بغداد . وقفت الآن على مشارفها وإذا بي أرى أن التاريخ يعيد نفسه!
فإن “هولاكو” عصركم يرمقها من بعيد بنظرة حقد ملؤها الانتقام من تاريخها وحضارتها وتفوح من أرجائها رائحة الموت والدمار والأشلاء والغدر ، لهذا قررت أن أبعث إليكم بهذه الرسالة لأني خفت عليكم من نهايتي وسوء مصيري أحذركم فيها فلقد رضيت بـ “هولاكو” التتري غازيا وكنت ساعده الأيمن في غزو بغداد على أمل أن أكون نائبه في حكم الخلافة في بغداد ولكنه انقلب علي شر انقلاب, كنت لمدة أربعة عشر عاما ، كنت الوزير المفضل لدى الخليفة ، بزغ نجمي وعلا شأني ، أصبحت مكانتي لا تضاهيها مكانة أبدا. وأصبحت صاحب الحلّ والربط والأخذ والرد .

ولكني كنت أضمر لبني العباس شيئا عظيما بداخلي كنت أتمنى زوال ملكهم وزوال عطرهم وريحهم وإبادة خلافتهم ، فكاتبت “هولاكو” ملك التتار وأطمعته في البلاد ورغبته وأبديت له استعدادي وقدرتي في القضاء على الخلافة و الإسلام وسهلت عليه في ملك بغداد . وحينما أكملت مكيدتي أرسلت إلى “هولاكو” لأطلعه على أدق الأسرار والتفاصيل وطلبت منه أن أسلمه بغداد على طبق من ذهب على أن أكون نائبه في البلاد . فوعدني هولاكو بذلك قائلا إن عساكر بغداد تبلغ أكثر من مائة ألف فارس من أشجع المقاتلين فإن كنت يا مؤيد الدين صادقا فيما قلته لي؟ فرّق عساكر بغداد أولا فإن في قلتهم وضعفهم نصر لنا وبحوافر خيولنا سنحضر ندك عاصمة بلد الرشيد.
فخرجت من وقتي مسرعا إلى الخليفة وزينت له قائلا : مولاي أموال الخزينة تذهب هباء في هؤلاء الجند فوفر معلومهم لخزينتك . فأجابني المستعصم لما طلبت، فمحوت أسمائهم من سجل العسكر ومنعتهم من الإقامة في بغداد حتى صار عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس. ولما بلغ “هولاكو” ما فعلت ركب وقصد بغداد في جحفل عظيم من جيشه كان مطمئنا من النصر . ولأن الحرب خدعة فقد أشعت بين العباد بأن الجن والعفاريت جيش آخر يقاتل مع جيش هولاكو؟ وفي ذلك عادة كان يتبعها جنود التتار أثناء مسيرهم إلى بغداد ، كانوا يصفرون بآلة صغيرة تخرج ألحان مخيفة متزامنة مع أصوات حوافر خيولهم فيكون اللحن مرعباً . فحال وصول أصواتهم إلى القرى والمدن تفر الناس فزعة مرعوبة لأنهم قد آمنوا بأن للتتار جيش آخر من العفاريت والجن يسير معه وهذا ما أشعته أنا . ولم أكتف بذلك كان معسكر جند الخليفة مطّلا على سد منيع على نهر دجلة فزحفت ليلا على السد المنيع وفتحته حتى غرقت خيامهم وخيولهم وأسلحتهم وهم نيام ومن نجا منهم كان لهم السيف بالمرصاد. لقد هيأت لكل أمر عدته وأردت أن يظفر “هولاكو” ببغداد ولم تهمني الأرض ولا العباد وفرشت له ولجيشه النصر والظفر.
نزلت جحافل جيش التتار من جهة البر الشرقي وضرب “هولاكو” سورا بعسكره وأحاط ببغداد فكانت مكيدتي الأروع هي إقناع الخليفة بمصانعتهم وتوجهت إلى قصر الخليفة قائلا: يا مولاي أخرج أنا إليهم في تقرير الصلح وأعرف نيتهم وخطتهم وأعرف عدد جنودهم وأعود إليك بالخبر اليقين؟ فخرجت لملاقاة هولاكو والتوثق بنفسي من التتار، هل لازالوا على العهد باقين فأطمأن قلبي إليهم فرجعت إلى دار الخلافة قائلا يا مولاي إن هولاكو ملك التتار قد رغب أن يزوج بنته الأميرة الصغيرة بابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة وتدعوا له فقط وتكون من الحامدين الشاكرين بنعمته ولا يريد إلا الطاعة وينصرف عنك بجيوشه فحقناً لدماء المسلمين افعل ما يريد؟ واستدعي أمراءك وفقهاء الأمة وعلمائها وأكابرها وشيوخها ليحضروا عقد القران؟
فخرج أمير المؤمنين بنفسه في طوائف من الأعيان إلى خيمة “هولاكو”. وأوعزت لهولاكو أن يطلب من الخليفة المستعصم مفاتيح كنوزه وخزائنه وثروة بني العباس أجمعها التي آلت إليه منذ آلاف السنين . وذهبت بالمستعصم إلى قصر الخلافة ودلني على كنوزه السرية وحملني كنوز وذهب مالا يعقله عقل من ندرة وروائع الخزين حملتها جميعا إلى خيام “هولاكو” حتى أصبحت لا تتسع من كثرة صناديق الذهب والفضة ثم دخلت على الخليفة الذليل وطلبت منه أن يستدعي الفقهاء والعلماء والكتاب والوجهاء ليحضروا عقد الزواج؟ فضربت أعناقهم طائفة بعد طائفة. حيث كانت هناك نبوءة تقول:” إن دخول “هولاكو” لعاصمة الخلافة بغداد ستكون شرا وبالاً عليه وأن سفك دم الخليفة سيكون نهاية ملكه وضياع عرشه”..!

تردد “هولاكو” بقتل المستعصم فأصبحت كالمجنون فأوعزت إلى ابن الطوسي بأن يصدر فتوى تحلل قتل الخليفة وتحرم النبوءة اللعينة التي يخافها هولاكو وكان ما كان وضعوا المستعصم في كيس وداست حوافر الخيول عليه حتى لا يسيل دمه على الأرض وبذلك تخلصت من تلك النبوءة اللعينة. حللت بعدها استباحة بغداد أربعين يوما أردت المزيد من القتلى والدمار لتفرغ لي بعدها..
دعاني إليه وقال لي : ” كل ما أملك لا خير فيه لك لأنك خُنت صاحبك مولاك التي كانت كل هذه الثروة له فبماذا تريد أن أكافئك به؟ ” وأصدر أمراً بقتلي أيقنت . بأني ضربت ضربة ضرائب الإبل لم أملك منها نفعا بل أصابتني بالضرر والكمد. وسرعان ما غيّر رأيه بعد وساطتي ابن الطوسي منجمه ومستشاره لي وقال لي: سأجعل مكافئتك بقدر عملك فقبل أن أكون خادم لوزير أرتقى إلى سدة وزارة “هولاكو” كان يشتغل خادما في قصر الخليفة سابقا.. وأن أركب حمارا في وقت الظهيرة وأمشي به في شوارع وأزقة وأسواق بغداد يجرني جند من جنوده . كان الأطفال يركضون وراء موكبي ويرمونه بالحجارة والنساء تقذفني بأبشع السباب والرجال يلعنون خيانتي حتى كان يوما رأتني أمراني فيه وأنا على حماري هذا فأوقفتني وقالت: ” أبهذا أبدلت عز الخليفة المستعصم وبصقت في وجهي”
يقول ابن العلقمي ” لم تمض ثلاثة أشهر على سقوط بغداد حتى متّ كمداً وحسرة لقد أدخلت “هولاكو” على يدي إلى دار الخلافة والحضارة لعظم حقدي عليهم ولم أكن أظن أنني بدلت دار الخلافة ببيت العنكبوت . حققت لهم نصرا وظفرا ولكن النصر الوحيد الذي حققته لي هو إنني جعلت اسمي خالدا في صفحات الخيانة . كانت الخيانة رسالة وليست صفة وقد قدمت لها نفسي قرباناً هذا هو مصيري وسيكون مصير كل الخائنين أيضا فاتعظوا قبل فوات الأوان. وكما قالوا ” العاقل من اعتبر بغيره ولم يعتبر به غيره ” .

أضف تعليق